تنمو الشائعات في المجتمعات التي ينخفض فيها مستوى الوعي ويتدنى كما يجد في المجتمعات المنغلقة أرضاً خصبة للنمو، لذا نجد السحر والشعوذة والخرافات وتصديق الأساطير تسير سير الريح وتنتشر انتشار الظلام على بطون الأودية وظهور الهضاب في تلك المجتمعات ذلك أنها تجد من يؤمن بها، ويتلقفها ليدفعها لمن خلفه، ولعلي لا أعمم ذلك إن قلت إن المجتمع الذي نحن جزء منه يعيش غير بعيد مما ذكرت على الرغم من الخطوات العملاقة التي مشيناها لكن بعض الترسبات الماضية وانغلاق بعض العقول وعدم انفتاحها ولد لدينا تصرفات غريبة وفكراً متطرفاً لا يرغب التعايش مع غيره، فظل يرفض كل دخيل وكل جديد بحجة أن تلك العقول تنكره ولا تعرفه. أعرف أيها القارئ الكريم أنني لم آت بجديد في هذا الكلام لكنني أجعل منه توطيداً للنكتة التي دخلت كل بيت أو تكاد وما رددته بعض القنوات التلفازية أو نشرته بعض الصحف ولا أكتم القارئ أنه يتلبس بي حياء عظيم وخجل لا يوصف وكأنني بالضاحكين على بني قومي عند سماع الخبر وعندما يرون على الشاشات مكائن الخياطة القديمة أخرجوها من تحت الأنقاض ومن دور جداتهم ولم يسعفهم الوقت لغسيلها أو نفض غبارها ومسحها من أعشاش العنكبوت وتنظيفها من الصدى والزيوت خشية أن يفوتهم سوقها فتعطلت المصالح وضربت بطون السيارات وأجهدت الطرق وتوافد الباعة من الجنوب والشمال وطويت آلاف الأميال لكن الخيبة كانت قد سبقتهم إلى السوق تترصدهم وكأن لسان حالها يقول الزئبق الأحمر كذبة الدجالين، كذبة لم تكلف المتفوه بها شيئاً لم تتجاوز رمي هذه العبارة من بين فكيه، لكنها كلفت غيره الكثير، والله إني لأرحم العجائز اللاتي ضربتهن شمس الظهيرة وأرهقن السهر وهن يعددن العدة لعرض البضاعة أملهن أن يجمعن المئات والآلاف وأن يعدن وهن يعددن الريالات لكنهن عدن بالخسارة ورجعن أدراجهن يعددن خطوات الخيبة واليأس، أعطف على شباب امتطوا ظهور الدداسن القديمة منها وربما الجديدة الرابضات في سوق المارة ليصرفوا البضاعة المزجاة؛ لكن أحداً لم يفتح الباب في الحراج ولم يلقوا غير ابتسامات وهمسات تقصم ظهور آمالهم من الداخل، أتعزز لمجتمع تغلغلت السذاجة فيه فصدق ما لا يصدق ولا ألومهم بل ألوم أرباب الفكر وسادة التعليم وقادة التربية وأطالبهم بأن يضعوا تحت الزئبق الأحمر عدة خطوط حمراء ولا يفوتونها ليبدأ العلاج علاج هذا المجتمع الطيب من مرض تصديق الشائعات والعزم على رفع مستوى الوعي بين أفراده، هذا هو التشخيص والتشخيص بداية العلاج وكفى بالمرء عيباً أن يصدق كل ما يسمع وأن يتعصب لقول وإن كان الحق مع غيره دون النظر والتمحيص، حري بنا أن نأخذ العبر وأن نستفيد من الدروس وأن تصقلنا التجارب والمواقف لنأخذ مكاناً عالياً في مستوى الوعي وحسن التصرف وضبط السلوك وفن التعامل، وأن لا نظل كالمياه الراكدة يلوثها الهواء والأهواء، علينا أن نستفيد من تجارب الآخرين، وأن نحصد الحد الأعلى من تفوقهم ونجاحاتهم. * مستشار مدير جامعة الإمام