المشاكل الأسرية لطلبة المدارس التي باتت ظاهرة لافته للانتباه في المجتمع المدرسي الخليجي عامة وبوجه خاص في دولة الإمارات التي تجتذب العوائل الخليجية والعربية والأجنبية معا وربما تحت سقف واحد، حيث انتقلت هذه المشاكل من البيت إلى المدرسة، فأصبح الكل يعاني منها بما في ذلك الهيئة الإدارية والتعليمية في المدرسة حيث أقحموا في هذه المشاكل رغما عنهم، على الرغم من خصوصية هذا المكان وما يجب أن يتصف به من أسس تعليمية ونفسية مناسبة ليتجاوز الطالب هذه المرحلة كما ينبغي له. كثيرة هي المشاكل الأسرية التي يعاني منها الطالب والمدرسة على حد سواء، ولكن أبرزها وأوسعها انتشارا في مجتمعاتنا الخليجية هي «الطلاق». وللطلاق أسباب كثيرة، ولكن لا تهمنا هذه الأسباب الآن على الأقل بقدر ما تهمنا نتائج هذا الطلاق والانفصال بين الزوجين والمشاكل الأسرية التي تتبعه، على الأبناء ودراستهم، وهذا ما لمسناه من شكوى المعلمين والإداريين في المدارس وخاصة المدارس الخاصة. الآباء يأكلون الحصرم!! المعلمة (ع،ظ،ا) وهي معلمة مرحلة ثانوية، تؤكد أن المشاكل الأسرية وخاصة الطلاق تسبب غالبا العنف في السلوك لدى الأولاد، والانحراف لدى البنات، وذلك من واقع تدريسها لطالبات المرحلة الثانوية، وتؤكد أن أكثر من طالبة صارحتها بأنها تفكر بالهروب من البيت الذي تعيش فيه سواء مع والدتها أو مع والدها، بسبب الحالة النفسية السيئة التي تعيشها نتيجة لهذا الوضع غير الطبيعي من انفصال الوالدين والمشاكل التي تعقبه، وبعض الطالبات يقمن علاقات عاطفية غير مشروعة عبر الهاتف أو غيره لتعويض الحرمان العاطفي غير المبرر الذي تعيشه. وفي إحدى المدارس الخاصة صادفت مجموعة من الطلاب يعانون مشكلة طلاق أمهاتهم. فتحدث الطالب (م،ح،خ ) قائل?: «بينما كنا نعيش في بيت واحد، طعامنا واحد، شرابنا واحد، أفراحنا واحدة وهمومنا واحدة، دخلت بعض المشاكل العائلية إلى بيتنا،وسببها الرئيس انشغال والدي ساعات طويلة في عمله خارج المنزل وخاصة أن والدتي تعمل أيضا، ونحن مع الخادمة طيلة الوقت، ما أدى إلى المشاكل بين والدي ووالدتي ثم الانفصال، حيث طلق أمي وكانت الطامة الكبرى فأخوتي الصغار مع أمي وأنا مع أبي بحكم الحضانة، أشعر دائما بالضياع والضيق، وأفكر بوالدتي وأخوتي خاصة بعد أن منعني والدي من زيارتهم، عشنا تجربة قاسية وما زلنا نعاني منها حتى اليوم. وتقول الطالبة (س،م، ث) في المرحلة المتوسطة: (أنا كنت من المتفوقين في المدرسة ولكن وبالصدفة اكتشفت والدتي أن والدي على علاقة بامرأة أخرى، فبدأت المشاكل التي لم نعرف نحن الأبناء كيف نواجهها ،وانعكس ذلك على أسرتنا وأصبحت العيشة لاتطاق بين والدي ووالدتي، حتى وصل الحال إلى الانفصال، والآن أنا أعيش شاردة الذهن لا أستطيع التركيز ولا أعرف أين يكمن الخطأ في والدي أم في والدتي؟!!، ولا أعرف ما ذنبي أنا في هذا الأمر؟ ولماذا يتزوج الرجل إذا لم يكن لديه الاستعداد لتحمل أعباء الحياة؟!). الطلاق أرحم من المشاكل توجهنا إلى ولية أمر أحد الطلبة في إحدى المدارس الخاصة وهي سيدة مطلقة ولها 3 أطفال في المدرسة السيدة (ع، ف، س)، وسألناه عن تأثير الطلاق على أطفالها، فقالت: لم أسع إلى هذا الأمر إلا بعد أن نفد صبري ولم أستطع أن أكمل الحياة مع والد أطفالي، على الرغم من معرفتي للآثار السلبية للطلاق على الأطفال، فهو رجل مدمن على متابعة بعض وسائل الإعلام الناقلة للفن الرخيص، (معاول الهدم لقيمة الأسرة) ويطالبني بأن أكون على «ستايل» فنانات الفيديو كليب، دونما أدنى مسؤولية تجاه أطفاله، فهو يعمل ويرجع للبيت يأكل وينام ثم يخرج مع أصدقائه.. إلخ من الأمور التي يرغبها، وإن طلبت منه أي شيء خاص بي أو بأطفالي، يحاول افتعال مشكلة لكي لا يقوم بما يجب عليه، ودائما هو مشغول، وأخيرا يخرج ويتركنا دونما أية مبالاة بالأمر أو يقول لي (تصرفي أنت!!) ثم بعد ذلك كله يريدني أن أكون «ستايل» على حد قوله! الانحراف نتيجة الطلاق وفي حديث لنا مع الأخصائية النفسية والاجتماعية (م، ص، ن)، عن الآثار السلبية للمشاكل الأسرية على الطلاب قالت: إن انفصال الزوجين عن بعضهما وتفكك الحياة الأسرية، يلعبان دورا أساسيا في تربية الطفل، ومن خلال تجربتي التربوية، ومصادفتي لكثير من المشاكل العائلية، وجدت أن أهم نتائج المشاكل الأسرية على الطالب، التدني الدراسي لبعض الطلاب والمشاكل النفسية والاجتماعية الملاحظة التي يعانون منها، والانحراف في سلوكهم، كذلك العنف مع الآخرين، وعندما دخلت في أعماق شخصيات هؤلاء الطلاب، وجدت الحرمان العاطفي والقهر الاجتماعي يلم بهم من كل جانب. وفي نهاية جولتنا هذه في ثنايا المدارس الخاصة، ومع مجموعة من طلبتها ومعلميها للوقوف على أبعاد هذه المشكلة، نكتشف جميعا أن على الزوجين مستوعبة احترام مبادئ الأسرة ورعاية الأبناء وتحصنهم من التشوه النفسي والحياتي والذهني ومحاولة عدم تصريفهم بتجارب قاسية من جراء الخلافات الأسرية.