على الرغم من مرور 64 عاماً على إنشاء الجامعة العربية إلا أنها ومنذ قيامها وهي كالرجل المريض الذي لم يمت فينعى ولم يتعافى فيرجى، فهي مشلولة الفعالية وذلك لاعتبارات كثيرة لعل أبرزها أنها لا زالت تعتمد على ميثاقها القديم الذي كتب تحت ظروف استثنائية تتمثل في خضوع أغلب الدول المؤسسة للاستعمار أو تتعرض لاملاءته ومصالحه. فميثاق الجامعة يتكون من عشرين بنداً تتضمن مبادئ عامة غير ملزمة وغير مفصلة ولا ترقى إلى مواثيق المنظمات الدولية مثل ميثاق الأممالمتحدة. إن جامعة الدول العربية ما زالت عبارة عن هيئة للتعاون الاختياري بين الدول الأعضاء، وهذا التعاون يخضع لأمزجة الحكام ومستوى تفكيرهم الفردي، ولم يرق يوماً إلى المصلحة العامة للأمة، إن من أم معوقات العمل العربي المشترك من خلال الجامعة العربية هو أن ميثاقها ينص على أن قرارات الجامعة يعتمد الاجماع وهذا يعني أن أي دولة تتحفظ على القرارات تجعل القرار غير ملزم وهذا يحرم الجامعة القوة التنفيذية التي تتمتع بها المنظمات الدولية والاقليمية الفاعلة، كما أن مصدر الضعف الآخر هو غياب فكرة التحكيم الاجباري لفض النزاعات التي تنشأ بين الدول الأعضاء. هناك قوى تعمل على استمرار الدور الضعيف لجامعة الدول العربية واستمرارها جسماً بلا روح من خلال الحد من فعاليتها من خلال الإبقاء على ميثاقها العتيق وامتلاك كل دولة عضو فيها لحق الفيتو على قراراتها، وعلى الرغم من أن عدد المنظمات المنبثقة عن الجامعة العربية يربو على العشرين منظمة إلا أن تلك المنظمات لا تبعد كثيراً من حيث الفعالية عن الجامعة الأم لا من حيث الانجاز ولا من حيث الفعالية، ليس هذا وحسب، بل أن هناك منظمات ومعاهد أقرت من قبل مجلس الجامعة لكنها لم تر النور بعد على الرغم من الحاجة الماسة لها وعلى الرغم من المطالبات الدائمة بتفعيلها. إن العالم العربي اليوم أصبح له وضع مختلف عن العالم العربي أيام إنشاء الجامعة العربية، فهو اليوم يحظى بقوة اقتصادية جبارة لو تكاملت، وقوة جماهيرة ضخمة لو وحدت، وقوة عسكرية مهيبة لو فعلت، ناهيك عن موقعه الفريد والمتميز حيث يشكل موقعه صرة العالم وملتقى مصالحه فهو يشكل نقطة ارتكاز استراتيجي من النواحي الاقتصادية والعسكرية والمواصلات والاتصالات، ناهيك عن الثروات المتوافرة وتشكيله لسوق استهلاكية ضخمة، وامكانية تحويله إلى سوق إنتاجية متميزة لو صلحت النوايا. إن العالم العربي لو استطاع أن يتكامل مع بعضه البعض فإنه سوف يخلق قوة فاعلة ومؤثرة، والتكامل والتعاون خلق قوى مؤثرة وفاعلة في مناطق أخرى من العالم على الرغم من أن تلك المناطق لا تحظى بما تحظى به الدول العربية من مرتكزات ومميزات، إن العالم العربي يتعرض لهجمة شرسة من أهم أسبابها اشغال هذه الأمة عن القيام بالواجبات الأساسية المنوطة بها، ولعل نشر الإرهاب والاتجار بالمخدرات والفساد الأخلاقي والمادي والإداري والتشكيك والغزو الثقافي المبرمج والاهتمام بالأمور الثانوية واستبعاد الأكفاء وتقديم الأقل كفاءة واجهاض المبادرات والأفكار البناءة واخماد جذوة الاصلاح والتطوير بعض ممما يتعرض له العرب من حروب مدروسة ليس هذا فقط بل أن إثارة الطائفية والعرقية والعمل على تفتيت الدول القائمة إلى دويلات من خلال الدعم المباشر للحركات الانفصالية والحروب الأهلية من أوضح ما هو قائم ومشاهد في العراق والسودان والصومال والدور سوف يلحق بالدول الأخرى إن لم ترق تلك الدول باستراتيجياتها إلى المستوى الذي يتمكن فيه أصحاب الرأي الصائب من إسداء النصح من ناحية وقبوله وتنفيذه من ناحية أخرى. إن جامعة الدول العربية يجب أن تحظى باهتمام كبير من قبل مؤتمر القمة الذي سوف ينعقد في الدوحة هذه الأيام ولعل من أبرز ما يجب الالتفات إليه ثلاثة عوامل هي: ٭ اعتماد إعادة صياغة ميثاق الجامعة العربية وتحديثه بما يتلاءم مع مسؤوليتها المناطة بها والعمل على جعلها أكثر فعالية على المستوى العربي والاقليمي والدولي، وأن تكون أكثر حضورا وقدرة على الفعل وردة الفعل، وأن لا تكون صورة من النظام العربي القائم بخلافاته ومعوقاته، لذا يجب أن تحظى باستقلالية إدارية وسياسية ومالية، وهذا يمكن أن يفعل من خلال جعل الجامعة العربية تتمتع باستقلالية مالية من خلال إيجاد أوقاف واستثمارات تدر على تلك المنظمة المهمة عوائد تمكنها من القيام بما هو ملقى عليها من مسؤوليات دون أن تتحكم كل دولة بها من خلال المنة بمساهمتها المالية وفرض شروط لسداد ما هو واجب عليها. ٭ الدول العربية المختلفة تتعرض لضغوط بدرجات متفاوتة بعضها تفرضه مصالحها الذاتية وبعضها تفرضه مصالح الآخرين مما يوجد بعض نقاط التوافق والاختلاف بين بعض الدول العربية وهذا يجب أن يتم من خلال تفعيل استقلالية الجامعة العربية يجب أن تصبح قراراتها ملزمة للجميع مما يرفع الحرج عن البعض، وهنا لا بد من الاستفادة من المنظمات الاقليمية والدولية التي اثبتت فعاليتها مثل منظمة الاتحاد الأوروبي والذي بفضلها وصلت هذه الدول المختلفة في اللغة والثقافة والمتنافرة تاريخياً إلى وحدة تشهد انجازتها وقدرتها على التوسع والمنافسة على نجاحها وتغلبها على العوائق المختلفة، لأن الهدف كان واضحاً ولنية صالحة والوسيلة مناسبة وفاعلة ولغاية محددة. نعم إن كثيراً من القضايا والإشكاليات التي قد تحرج الدول المنفردة القيام بها يمكن أن تقوم بها الجامعة العربية إذا فعلت وأعطيت الصلاحية الكافية، إن العمل على تغيير مسمى جامعة الدول العربية إلى اسم أكثر حيوية يليق بها بعد أن تصبح أكثر فعالية أصبح من الأمور المطالب بها ولعل مسمى منظمة الاتحاد العربي على غرار منظمة الاتحاد الأوروبي يصبح مناسباً. ٭ إن الجامعة العربية حالياً ليس لديها من القوة والمكانة والامكانيات المادية والبشرية والمراكز المساندة ما يمكنها من القيام بواجبها. لذلك لا بد من نفض الغبار عن تلك المنظمة الاقليمية وتفعيلها من خلال ضمان ميزانية مجزية ثابتة تأتي من امكانياتها الذاتية، بالإضافة إلى ما يردها من اشتراكات العضوية، إعادة هيكلة الجامعة العربية وضخ دماء أكثر وعياً بمتطلبات العصر وأكثر فهماً للواقع العربي وكيفية تغييره وأكثر إدراكاً للأخطار المحيطة بهذه الأمة وأكثر قدرة على إقناع الأطراف الأعضاء بالتوجهات التي تكفل التعاون والتكامل والحفاظ على المصالح. إن منظمة بحجم الجامعة العربية وبحجم المسؤوليات المناطة بها يتوجب أن يكون لديها من العقول والخبرات ما يمكنها من الامساك بزمام المبادرة من خلال إعداد دراسات فائقة الدقة وضمان الموافقة عليها من قبل الدول الأعضاء من خلال الحوار الفردي مع كل طرف لضمان الاجماع عند الاجتماع، لذلك فإن مراكز الدراسات الاستراتيجية التابعة لها لا بد أن تفعل وأن يكون لها قصب السبق على المبادرات الفردية للدول الأعضاء والتي قد يرفضها البعض نكاية بالبعض الآخر. إن الجامعة العربية في الوقت الحالي لا تعدو سكرتارية متواضعة ليس لها من الأمر شيء يذكر، مع العلم أن السكرتارية الفاعلة هي لب العمل وهي أساس النجاح على مستوى الفرد وعلى مستوى المؤسسات، لذلك لا بد من تفعيل دورها وإعطائها الصلاحيات التي تمكنها من النهوض والعمل أسوة بالمنظمات الدولية الفاعلة، كما أن الصلاحيات الممنوحة للجامعة العربية يجب أن تكون بعيدة عن تأثير الدول الأعضاء منفردة، لأن مثل تلك التدخلات الفردية سوف تعيق عملها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن رفع مستوى المندوبين الدائمين لدى الجامعة العربية واعطائهم الصلاحيات المناسبة سوف يكون له أبلغ الأثر على فعاليتها ومسيرتها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب بث روح المنافسة بين المنظمات التي تظلها الجامعة العربية وذلك من خلال تسليظ الضوء سلباً وإيجاباً على منجزات كل منظمة بصورة دورية، وأن يتم الحرص على إظهار ذلك إعلامياً وبيان أسباب الاخفاق وأسباب النجاح مما سوف يكون له انعكاس كبير على الأداء، خصوصاً إذا علمنا أن مقرات تلك المنظمات موزعة بين العواصم العربية مما يعني أن إنجاز كل منظمة دليل ظني على تشجيع ومؤازرة الدولة المضيفة، ناهيك عن أن يكون رئيس كل منظمة ينتمي للدولة التي يوجد بها المقر، مما يجعل تلك المنظمة وفعاليتها انعكاس للدولة المضيفة وقدرتها على تشجيع ودعم تلك المنظمة. العالم العربي يمر بمرحلة حرجة من تاريخه، فالصهيونية العالمية ممثلة في إسرائيل والقوى الداعمة لها تلعب دور المخرب والمجهض والسوس الذي ينخر في البنية العربية الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، فليس هناك اسقاط واحباط وتخريب الا هم جزء فاعل فيه بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما أن سباق التسلح في المنطقة لاعب آخر على الساحة يهدد مستقبل هذه الأمة، خصوصاً التوجه إلى التسلح النووي وما يرافق ذلك من أطماع اقليمية، والخوف كل الخوف أن يصل الطرفان إلى اتفاق تحت الطاولة، فكلا الجانبين يسير على منهج واضح وهدف محدد وخطوات مدروسة، بينما العالم العربي لا زال يتعامل مع الموضوع بأسلوب التنديد والشجب والاستنكار، ولم يتخذ حتى الآن خطوات واضحة وجريئة نحو الوقوف بجدية أمام ذلك الخطر والأخطار، فهذا السودان يئن وهذا الصومال يتمزق وهذا العراق يدمر والنار مشتعلة في فلسطين وتحت الرماد في لبنان وأماكن أخرى، كما أن الخطر المحدق بالخليج لا يحتاج إلى إيضاح ، أما الإرهاب فهو يزرع ويبرر من قبل قوى خارجية، وكل ذلك لإلهاء العرب في أنفسهم واشغالهم عما يجب أن يصنعوه لضمان مستقبلهم. نعم الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - يسعى الليل والنهر من أجل لم الصف وتوحيد الكلمة وهذا الحراك من سمات سياسته على المستوى المحلي والاقليمي والدولي فهو رجل سلام يسعى إلى تحقيق العدل والسلام، فها هو في قمة الكويت يعلن انتهاء مرحلة الخلافات العربية وبين القمة الاقتصادية في الكويت والقمة الاعتيادية في الدوحة التي تنعقد هذه الأيام بذل جهودا جبارة من أجل توحيد الكلمة العربية وإزالة أسباب الخلاف وسوف يكون لقمة الرياض المصغرة التي عقدت قبل أسبوعين أثر واضح على نجاح قمة الدوحة. ويبقى العرب في المؤخرة إن لم يوحدوا صفوفهم ويفعّلوا مؤسساتهم الفردية والجماعية ويأتي في مقدمتها الجامعة العربية التي لو فعّلت من خلال إعادة الهيكلة وإصدار ميثاق جديد يحاكي لغة العصر ويرقى إلى مستوى ما هو معمول به في المنظمات العالمية والاقليمية الفاعلة ناهيك عن إعطاء الجامعة الصلاحيات التي تمكنها من عقد اتفاقيات والتحدث باسم العرب والعمل كمنظمة اقليمية فاعلة بدلاً من كونها سكرتارية ليس لها من الدور إلا ما يملى عليها والذي يجهضه على الرغم من تواضعه الخلاف بين الأطراف الأعضاء وإدعاء كل منهم أنه الأفهم والأحرص والأقدر على الرغم من محدودية قدرته أو تأثيره، أيها المؤتمرون في الدوحة أخرجوا الجامعة العربية من غيبوبتها وفعّلوا برامجها وأعطوها الصلاحيات والامكانيات المادية والمعنوية التي ترقى بها إلى مستوى المنظمات الدولية الفاعلة. إن تفعيل دور الجامعة العربية هو الخطوة الأولى نحو نجاح القمم العربية وتنفيذ توصياتها وهي الخطوة الناجحة الأولى التي ينبغي الاهتمام بها لأنها الأساس الذي يبنى عليه.. والله المستعان.