في قراءة متأنية للمتابعة الموفقة المنشورة في عدد هذه الجريدة الوضاءة الغراء الصادر بتاريخ 17/2/1430ه عن حفل افتتاح إعادة بناء أقدم جامع بمدينة الرس، وذلك على شرف نائب أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز.. في هذا الحفل الخيري المتميز تطرق سموه في ثنايا كلمته المختصرة المعبرة إلى الجهود الحثيثة الملموسة التي يضطلع بها في المجالات الخيرية والاجتماعية بعض رجال الأعمال الميسورين أو الموسرين ومنهم الشيخ الوجيه صالح المطلق الحناكي الذي قام بإعادة بناء الجامع على حسابه.. وفي معرض إشادة سموه بأهمية بناء المساجد حسب الحاجة إليها لم يغفل الإشارة إلى ضرورة الاهتمام بالمشاريع الخيرية والإنسانية الأخرى، وما أكثرها، حيث يجب أن ينالها نصيبها الأوفر من الاهتمام والمتابعة والبذل السخي للحاجة الماسة إليها، وخاصة في مدينة كبيرة مثل الرس يحيط بها ويتبعها أكثر من مائتي بلدة وقرية وهجرة... نعم هناك مجالات أخرى حيوية تلامس احتياجات وهموم طبقة كبرى من المواطنين خاصة الفقراء والمساكين والمرضى، ومنهم فئة من الناس تضيق بهم السجون من المديونين والمدانين ولهم أسر تحتاج إلى من يسد عوزها لتسير أمورها مثل بني البشر.. والفقير عندما تتحسن أموره ويعيش قرير العين مرتاح البال لن يعدم المكان الذي يصلي فيه، وقد جعل الله له الأرض مسجداً وطهوراً، ولكن في ظل غائلة الجوع والخوف والديون وويلاتها سيكون أسيراً لحصادها المر وستذهله عن العبادة بطمأنينة وخشوع.. وأنا من هذا المنبر الصحفي أضم صوتي إلى صوت سمو الأمير فيصل بن مشعل بضرورة التنويع في توجيه بعض التبرعات الخيرية والإنسانية لتصب في قنوات تخدم أهم عنصر في الحياة وهو الإنسان الذي كرمه الله ودعا إلى البر والعطف عليه؛ لأن هناك - ونقولها بصراحة - ظاهرة ملموسة في الرس وفي الكثير من المدن والقرى هي تكريس معظم التبرعات والهبات وصرفها في بناء المساجد ومع أنها سنة حسنة وبادرة طيبة مباركة فإن كثافة عدد المساجد في الوقت الحاضر وتقاربها بصورة لافتة تجعلنا ندعو ونناشد الأخوة والأحبة من المحتسبين لفعل الخير التنويع والتوجه إلى مشاريع إنسانية اخرى؛ لأن المساجد في كثرتها الآن وتلاصقها تقريباً أصبحت تفرق الجماعات أو بمعنى آخر تشتت جمعهم وبدلاً من أن تجد الصفوف متراصة ومتعددة كما في السابق تجد الآن على سبيل المثال أن مسجداً حديثاً يتوسط مدينة الرس كلف الملايين لا يتعدى عدد المصلين فيه خمسة أشخاص في غالب الأوقات لوجود مسجد آخر لا يبعد عنه سوى أربعين متراً وقد قدر لي الصلاة فيه صلاة المغرب ومعي أحد الأخوة وأدركنا الركعة الأخيرة ولم نجد خلف الإمام سوى نفرين ربما هما المؤذن وحارس المسجد.. وماذا علينا لو تلمسنا احتياجات الفقراء وعايشنا همومهم وظروفهم القاسية وما أكثرهم ومنهم الذين لا يسألون الناس إلحافاً، ومنهم الذين تحسبهم أغنياء من التعفف أكثرهم يعولون أنفساً متعددة لا يملكون سكناً لائقاً وتحيط بهم ظروف عائلية صعبة ولديهم أبناء غير قادرين على الزواج أو ترتيب سكن مناسب بعد الزواج، ماذا يضيرنا لو التفتنا إليهم بكل إنسانية وسماحة وطيب خاطر.. وأمامنا مشاريع أخرى تمس حياة الكثيرين وبالأخص المرضى ممن لا يجدون قيمة الدواء وقد لا يجدون لهم مكاناً في المستشفيات الحكومية المكتظة وبعضها يفتقر إلى الأجهزة الطبية الفعالة.. ماذا لو وفرنا قيمة خمسة مساجد كبيرة - جوامع - أقيمت في الرس في السنوات الأخيرة بلغت تكلفتها حوالي خمسين مليون ريال؟. ماذا يضيرنا لو اختصرنا من قيمة بعض الزخارف والرخام والكماليات ومكبرات الصوت المتعددة الصاخبة والتعتيق الخشبي والقباب الرفيعة والإنارة الباهرة وجعلناها في مستشفى خيري بجانبه بعض المحلات التجارية يكون دخلها يصب في ميزانية هذا المستشفى وتطويره. وحبذا لو استفدنا من بعض التجارب الناجحة والشاملة في المشاريع الخيرية المماثلة والتي اعطت اكلها نافعاً ومضاعفاً مثل المشروع السكني الخيري الذي أقيم في إحدى البلدات الواقعة جنوبالرس على حساب أحد الأثرياء النبلاء من أبناء الرس المقيمين بالرياض. لقد أقام مشروعاً خيرياً فاعلاً ومتميزاً قوامه خمسون وحدة سكنية على هيئة فلل صغيرة من دور واحد يتوسط هذا المشروع حديقة جميلة ومدرسة ومسجد كبير وأصبح حياً نموذجياً يحتضن خمسين عائلة محتاجة تسكن وتصلي وتدعو ليل نهار لهذا الرجل الفاضل الكريم. كما تدعو لمن دل هذا المحسن على هذا الاختيار الموفق، وكذلك من تطوع بالإشراف عليه.. وصلت قيمة هذا المشروع كاملاً وشاملاً ومؤثثاً إلى حدود تسعة ملايين ريال وقد تمت الاستفادة منه قبل أربعة أعوام تقريباً. وللقارئ أن يتصور مدى الفارق في الاختيار وحسن التخطيط فهذا المشروع كاملاً تعادل تكاليفه كلها قيمة تكاليف جامع واحد من الجوامع الخمسة الحديثة التي أقيمت أخيراً داخل الرس وبلغت تكاليفها مجتمعة كما سمعنا وقرأنا في حدود خمسين مليون ريال. وهناك مشاريع اجتماعية وحضارية بدأ العمل بها على استحياء بعد طول انتظار وتردد ثم توقفت فجأة فأصبحت هياكل خرسانية عارية تذروها الرياح في حالة مزرية تسر الشامتين مأوى للقطط والكلاب الضالة، وأخص هنا مبنى المركز الحضاري بالرس المعد للمناسبات والاحتفالات الكبرى واستقبال ضيوف المحافظة من كبار المسؤولين أسوة بالمحافظات المجاورة فأين أثرياء الرس ورجاله الأوفياء عن إكمال هذا المشروع أو التبرع له على الأقل، بعضهم يملكون آلاف الملايين ويديرون شركات ضخمة لا تخدم أرصدتها إلا البنوك التي تحتضنها. كما لا ننسَ بعض المرافق التعليمية الهامة بالرس التي هي بحاجة عاجلة وملحة إلى من ينتشلها من واقعها المزري حيث تعيش الضنك والضيق في الغرف ودورات المياه وتفتقر إلى الوسائل التعليمية الحديثة والخدمات الضرورية وأخص هنا بالذكر كلية التربية للمعلمات بالرس التي تحتضن آلاف الطالبات مربيات الأجيال وطلائع المستقبل وشقائق الرجال، ويقال والعهدة على الراوي ان هناك توجيهاً ودراسة لتقويم الوضع فيها والتخفيف عن معاناة الطالبات في الفصول، وإلى أن تنتهي هذه الدراسة في لجانها ودهاليزها وتفرعاتها وتقاريرها من قبل الجهات التعليمية المختصة. نأمل أن يتكرم أحد المواطنين الموسرين على الأقل بإصلاح مرافق النظافة ودورات المياه المتآكلة المهترئة داخل الكلية وهي في مجملها وأهدافها تصب في العمل الإنساني والوطني والاجتماعي، يشكر ويثاب كل من يبادر بالقيام به إن شاء الله. هذا مع تمنياتنا للجميع بالتوفيق والسداد.. وما نريد إلا الإصلاح. والله من وراء القصد،،،