أثارت الشاعرة الكويتية سعدية مفرح الكثير من التساؤلات حول ماهية الشعر من خلال مشاركتها في فعاليات ندوة مجلة "العربي" التي عقدت في الكويت مؤخرا تحت عنوان "الإبداع العربي المعاصر تجارب جديدة ورؤى متجددة"،وشارك فيها حشد من النقاد والشعراء والروائيين والتشكيليين من مختلف دول العالم العربي. سعدية مفرح قدمت شهادة شعرية حول تجربتها في كتابة القصيدة بعنوان "سؤال الشعر..سؤال الذاكرة" ، كانت عبارة عن انفتاح للذاكرة على مداخلها السرية ، وبدأتها بالقول: تنفتح الذاكرة على ذاكرتها الأولى، على وجودها الأول، فنكتشف كم هي حنون رياح الظنون وهي تهب باتجاه ماض لا يريد أن يختفي.... ربما لأنه لم يعد كائنا حقيقيا، وربما لأن غيره لم يستطع أن يحتل تلك المساحة الغامضة المفروشة بتلك الظنون وبتداعياتها المتواترة، وربما لأنه من القسوة ما يجعله يؤثث لوجوده تاريخا جديدا كل لحظة جديدة...ربما. لكنه القلب...، وحده القادر على أن يحل محل الذاكرة دون أن يلغيها..وهو الشعر...، وحده القادر على تفسيرها بشكل لا يؤذي أحدا..فلا يجرح شجرة ولا يستفز بحرا..ولا يستغيب سماء، وبالتالي لا يؤذي تلك الجغرافيا الذاهلة باتجاه تحققنا في مبتداه ومنتهاه مسيجة بالطفولة والتي يحلو لنا، كلما اغرورقت عيوننا بالدموع المبهمة، أن نسميها الوطن. أما أنا فما زلت أراوح بين الذاكرة والقلب، وفي محيط تلك الأيام التي اختفت تواريخها، وانمحت في خضم الزمن الجديد، رغم أنها الماضي والأيام التي ما زالت تقترح تواريخها المستمرة بحجة أنها الحاضر.... وأضافت الشاعرة : وحده الشاعر يستطيع إعادة رسم الأشياء وتلوين الملامح المرسومة بالأبيض والأسود... وحده القادر على ملء فراغات الروح بموسيقى تشبه الموسيقى التصويرية التي يردم بها مخرجو الأفلام فجوات السيناريوهات الرديئة بما يمكن أن يكون حياة أخرى... حياة موازية للحياة الحقيقية... حياة افتراضية.. ولكن لا بد منها... على الرغم من أنها غير موجودة الا على شاشات السينما في واقعها المظلم، أو بين إطارات الصور المعلقة على جدران الروح. حسنا... ستكون الفكرة أكثر وضوحا عندما تندغم بذلك البيت العجيب الذي قاله الشاعر المجنون وهو يدفع هوى ليلى وليل الهوى : وما أشرف الإيفاع إلا صبابة ولا أنشد الأشعار إلا تداويا وعن بداية رحلتها مع القصيدة قالت سعدية مفرح:كنت أقرأ.. وأقرأ.. وأقرأ.. فيقودني سحر القراءة إلى سحر النص الديني ( القرآن الكريم) ، وبدوره يقودني إلى خير ما يمكن أن أقرأه في حدائق القراءة المفتوحة حيث أشجار الشعر هي الدهشة المتناسلة من بعضها البعض.. فلماذا لا أكون شاعرة إذن؟ لماذا لا أحقق للآخرين دهشة إضافية فيما بدا لي سهلا وأنيقا وغير مكلف في ذات الوقت؟ ولماذا لا أداوي علل الروح بهذا الشيء الذي يسمونه الشعر وكأنهم يشيرون للحياة في واحد من أجمل أسمائها؟. سعدية مفرح ختمت مشاركتها بتساؤلات ناوشت فيها معنى الشعر بالمزيد من الاسئلة فقالت: من أين وكيف يجيء الشعر؟ كيف يتوصل هذا الحرون الأليف الى مداخلنا السرية ليقيم فيها الى أبد العلاقة به؟ ما الذي يجعلنا نتربص بلغته حالمين بهتك الأسرار الموحية بها والراصدة لها والداعية إليها؟ من أين يجيء الشعر إن لم يختزل في شهقاته السرية بعضا من شهقاتنا الأولى وخطواتنا الأولى ورغباتنا الاولى؟ كيف له أن يصل إلينا ونصل إليه إن لم تدل عليه تلك الأصابع السحرية بوصلةً للمزيد من الحياة وللمزيد من الموت؟ كيف يمكن عبور البرزخ المؤدي الى جنة الشعر إن لم ننكوِ بنارهِ على هامش من ألق وقلق وخيارات وبيانات ومواهب وانحسارات واندهاشات لها لذة الألم وألم اللذة وأشياء أخرى لا تسمى؟ كيف للشعراء أن يقيموا علاقاتهم السرية مع القصيدة من دون بئر أولى يمكنهم أن يمتحوا منها ارتواءاتهم غير المتوقعة وانذهالاتهم غير الأكيدة وقوفاً طللياً على حافة البئر القديمة؟ كيف للبئر القديمة أن تنتشي بمياهها الجديدة؟ كيف للمياه أن تسيل خيوطاً ممتدةً ما بين الشك واليقين مجللةً بالمفاجأة ومكللة بغار الجماهير الصاخبة؟ كيف لشاعر أن يقول شعرا جميلا؟ كيف لقصيدة أن تجيء هكذا ...بقلق..بفرح..بوجع ..بعنف ..باطمئنان؟ كيف لها أن تعلن موتها النهائي بتحققها النهائي في قصيدة حية قادرة عبر موتها، حيث تموت الأشياء بالسكون، على متابعة الحياة ،حيث يبقى الشعر عندما يموت الشاعر؟.. يذكر ان الشهادة التي قدمتها سعدية مفرح كانت ضمن الجلسة الختامية لندوة مجلة العربي وقد ترأسها الناقد المصري الكبير د.جابر عصفور وشارك فيها كل من الناقد المصري صلاح فضل والشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين والشاعر الكويتي صلاح دبشة.