البيوت التي في العراء ْ والبيوت ال تعاني الجفاء ْ والبيوت التي لم تزل خاويةْ. سكنتني أساطيرها ، أخذتني على آخر الدرب ، وحدي أنادم أشباحها . فلله كيف استقامت، لتحفل بي حينما جئتها شاكيا. ولله كيف ارتميت بأحضانها باكيا. +++ منزلٌ في العراءِ . وحيداً كمثلي يعاني الجحودْ . وآخرُ فوق التلال ، صامداً للرياح، وللقفرِ يحرسه، كان مثلي وحيداً، تعلمت منه الصمود. وآخر منزوياً. ويتيماً، يمدُّ يديه ليأخذني في حنوٍّ، حينما جئته باكيا، وتحسس فيّ المماتَ تحسستُ فيه الحياةَ . تدلى، تنازل عن عرشهِ، كي يكون معي، حينَ جئتُ إلى سفحهِ سائلاً. ذاك بيتٌ يذكرني بالليالي الحميماتِ، والأصدقاءْ. وآخرُ، كان يغني كمثلي حزيناً، يذكرني بعض أغنيتي حين كنت صغيراً، وعاد صداه بصوتي، فيا أيها البيت أين الغنم؟ وأين الصبايا اللواتي عرفتُ؟ وأين القطيعُ وكلبُ المراعي الحبيبة يصحبَني للمنازل حين يجيءُ المساء . +++++ البيوت التي هجرتها الحياةْ لم تزل تنتظرْ . لم تزل تسأل القادمين إلى سفحها ، عن أحبائها ، أين صاروا؟ وهل هانت الذكريات على أهلها؟ لم تزل تسأل القادمين إليها، بما نسجتهُ بحيطانها الذكرياتُ، وعن كلِّ شيءٍ مضى . لم تزل عن غبارِ السنينَ ،لكي لا تموتُ تقاوم أحزانَها ، خبرتني أبوابها – وهي تصطكُ – سرَّ أزيزِ الرياحِ: أنها تحتضرْ. +++++ البيوت فرادى فرادى تخاتلُ أشباحُها في الظلالِ الظلالَ فأشعر أنّ لها خَطوها وهي تمضي ورائي ولكنها حين أدنو أخاتلها نظرةً تستكينُ وها هي واقفةٌ مثلُ أصنام شعبٍ عبرْ. كيف تصمد هذي السنين ؟ أتكون البيوت على عهدها والوفاء فتحفظ ما قد نسيناه من زمنٍ ، وتعيدُ إلينا التباكي إذ جئتها باكياً سار قلبي لها حجراً أيعودُ معي وهو ماءْ +++++ البيوت التي في العراءِ تدلُّ كشارةِ حزنٍ على غربة الروح بين البشرْ. تدلُّ على فقدنا الأبديِّ لماضٍ من الذكرياتِ. أنقتاتُ منها مواعيدنا؟ كلُّ طوبة بيتٍ بقايا عبير، بقايا بكاء، ورسمُ دموع وخيطٌ من الأمنيات . كيف غادرت؟ غادرتُها حين غادرت بعضي، مضيت وحيداً بغير الذي قد فقدتُ لأسكنَ في شقة خانقة ؟ البيوت تعانق أرواحنا ، حين نأتي إليها معاً ضمّنا حضنُها ذاتَ وقتٍ بهيّ حيةً لا تزالُ وتهفو بكُلِّ عشيّ. فهي الآن تَذْكُرُني ملءَ عهدِ الطفولة، كانت تنادمني، وهي تحنو عليّ . ++++ ولها دمعها ، ولها فتنة الاحتضان. ولها غنجها إذْ تودُّ البكاء على صدرها ثم تصفح كامرأة طيبة ولها غضبة حين تنظر فيها بليل، تطاول حتى السماء ولها رهبة الجن، حين تمر عليها مساءً، كأن البيوت ستخطفك القلب يا أيها العابرُ عالم ما له آخرُ . ++++ البيوت التي في العراءِ أساطيرها، جيشها وهي مرصوصة لتصد الغريبْ. لونُها وهي جامدة، كبقايا نحيبْ. ونوافذها، وهي مفتوحة للسماء. طائر الشؤم يندب أركانها، أين من يطرد الناعق الشؤم حتى أعودَ إلى بيتي القُزحي، أنادم أهل القرى واحداً واحداً ، ثم ألثم أميَ كلَّ صباحٍ جديدٍ، فأشتمُّ عَبْقَ الرياحينِ فيها وحين تؤوب من الحقل، أكمامُها زهرةُ اللوز - ريّانة لم تزل- أحلق فوق السحابْ. +++ البيوت التي في العراءْ كيف يذكرها ولدٌ، آثم في الغواية، مات به الشوق، غالبه الحزن.. كيف يلبي النداء؟ 10/2008