هناك بعض التجاوزات الأخلاقية التي لا يخطر في بالنا أنها تحدث في بلادنا، لذا فنحن نتعامل مع معظم الأمور على أننا تجمع بشري ترفعه النزاهة الخاصة عن مساوئ غيره.. هذه أمنية.. لكن لا يوجد مجتمع بشري له هذه الخصوصية.. صحيح أنها كلما كانت النسبة العددية محدودة وأن التداخل مع الشعوب الأخرى محدود تكون التجاوزات الأخلاقية محدودة جداً.. أذكر كيف كان مجتمع «دخنة» القديم فاضلاً للغاية ويكاد أن يكون رجل الشرطة ورجل هيئة الأمر بالمعروف ورب الأسرة والطالب.. الجميع.. في حالات تقارب هي أقرب إلى النقاء.. نحن الآن نقرأ عن أخبار غش في تركيب بعض الأدوية، الحليب، محفوظات الأطعمة، تبديل نوعية جيدة من دواء أو غذاء بأخرى متدنية وبالتالي بسعر أعلى.. ولعل أخطر التجاوزات ما يتعلق بالصحة فقد استغربت من حالة الذهول التي كان عليها صيدلي عربي في صيدلية كبيرة المساحة وممتلئة بمختلف أنواع الاحتياجات دوائية وتجميلية وما سواها من تجهيزات الصيدليات.. سألته لماذا هو حزين؟.. قال: انتظر نهاية العقد حتى أترك هذا العمل.. قلت: غريبة، أنت في بلدك لا تتقاضى أكثر من مئة دولار بينما أنت هنا تتقاضى ألف دولار - على الأقل - أي أكثر من عشرة أضعاف مرتبك في بلدك.. قال: لكنني من ناحية ثانية أخسر ما هو أكثر من ألف دولار.. كيف؟.. قال: عندما تنتهي مدة أي دواء ولم يتم بيعه فإن صاحب الصيدلية يحسم قيمته من مرتبي وأحياناً يفوق عدد الأدوية حجم مرتبي فتقسط علي.. صراحة لم أصدقه.. سألت صيدليتين متباعدتين عنه.. قالوا: نعم هذا يحدث في بعض الصيدليات.. ربما في أكثرها.. هنا الكارثة.. المالك يريد الثمن وعلى الصيدلي تزييف مدة الصلاحية أو تبديله بدواء لزبون لا يدقق فيما اشترى.. بل إن بعض المرضى لا يذهب إلى الطبيب متى كان يشكو من استفراغ طفيف أو مغص غير حاد أو زكام أو إسهال محدود، فالصيدلي هو الطبيب وهذه فرصة للخروج من مأزق المطاردة.. نضيف إلى ذلك ما نعرفه من تحذير فيما يخص المضادات الحيوية من أنها يجب أن تستعمل فيما أنتجت له وفي حدود ضيقة.. ما أكتبه هو حصيلة معلومات أخذتها من ثلاث صيدليات متباعدة الموقع.. أتصور أنه يجب توفر مطاردة قاسية لمثل هذا التلاعب خصوصاً وأن الصيدليات أصبحت أشبه ببقالة حيث لا تبيع الدواء فقط.. ليس في هذا خطأ.. لكن هذا التعسف في التعامل مع الصيدلي من المالك في نهاية الأمر سيجعل المريض هو الضحية الأولى..