قد يكون طلعت وفا - رحمه الله - أول صحفي سعودي يدخل الفلك الأمريكي ويقوم بحوارات على مستوى القمة هناك مثل جورج بوش الأب وقيادات في مجلس الشيوخ الأمريكي في فترة الثمانينات عندما كان مراسلاً لصحيفة "الرياض" في واشنطن. بعد ذلك النجاح تلاه تتويج بتوليه رئاسة تحرير (رياض ديلي) باللغة الانجليزية وكانت تلك الصحيفة تعاني من مشاكل في التأسيس.. كانت هيكلتها الصحفية مختلة وكانت مهمته بناية فريق سعودي في مطلع التسعينات يجيد الصحافة واللغة الانجليزية معاً.. وتحدٍ آخر هو خلق سوق لتلك الصحيفة الوليدة التي كانت تعاني من (تشوه خلقي). في غمرة ذلك النجاح لم يكن طلعت - رحمه الله - مغروراً أو أنانياً بل كان (نبيل الصحافة) الذي لن يتكرر بل كان أعز أصحابه هم رؤساء تحرير الصحف المنافسة له مثل: رضا لاري رئيس تحرير (سعودي جازيت) حين ذاك وخالد العينا رئيس تحرير (عرب نيوز). أعرف طلعت منذ الطفولة بحكم مزاملته بالعمل مع والدي ثم تلتها علاقة أخرى عندما عملت صحفياً مع فريق شاب من السعوديين رغم أني كنت طالب هندسة وتخرجت منها، ولكن طلعت لم يكن يهتم إلا بالتدريب.. تذكرت في فترة تدريبي في (بروكسل) لدى البنك البلجيكي كيف كان المرحوم يقوم بتدريبنا قبل 10 سنوات قراءة مواضيع صحفية مختلفة والتفرقة بين الخبر وعناصره وكذلك المقال والتقرير (الربورتاج) ومعرفة اختيار الصورة وكيفية مواراة الخبر وكيفية تذوق (الكاريكاتير) والعمل على تطويره مع الرسام عبر الأبعاد الثلاثة وهي المفارقة، المبالغة والتناقض. كان يتركنا للأحداث لكي نتعامل معها ونرسم تصوراتنا لكي تنعكس عملاً صحفياً. رحمه الله لم يكن يحب الحديث عن نفسه وبسبب قلة الإعلانات في الصحف الانجليزية المحلية قبل إلغاء الصحيفة.. هذا الرجل لم يكن يضع مصلحته قبل مصلحة الآخرين. كان بسيطاً في ذاته وكان يتعامل مع الكبير والصغير بنفس الدرجة تجمعنا صفة واحدة هي صعوبة قراءة خطوطنا.. ومع ذلك كان الجميع يسعد باستقبال أعماله الصحفية وتحويلها إلى الإنتاج ذلك بأنه كان يزرع رحيقاً من المحبة ترغب الجميع على التعامل معه، وكان ذلك سبباً لأن يكون سفير "الرياض" في المحافل الدولية لما في شخصه من سحر بسيط يقربك به ويشعرك بأن بينكما صداقة. رئاسة التحرير لم تقيد طلعت في مكتبه بل كان دائماً يحب أن يكون المراسل المتنقل وأمام الحدث بنفسه رغم المرض، حتى انه عمل آخر يومين فوق كرسي متحرك. اليوم يتساقط الثلج في بروكسل وأسأل الله أن يغسله بالثلج والبرد لرجل ترك خلفه (أرقى) الذكريات... رحمه الله *مدير صندوق مالي استثماري اوروبي - بروكسل