لا جدال في صحّة مقولة العرب من أن مُعظم النار من مُستصغر الشرر .. والمشاكل كما الأشياء تبدأ صغيرة ثم تكبر تماماً مثل كرة الثلج تتضخم ما دامت تتدحرج ولم أعهد بأننا في مجتمعنا هذا قد عُنينا بالتفاصيل التي يعتقد البعض بأنها صغيرة، تافهة لا تستحق الاهتمام أو الحديث ،بل إن البعض يلومنا ككُتّاب حين نُفرد مساحة للحديث عن ظواهر يعتبرونها في حُكم التافهة ونراها كما مستصغر الشرر إذا لم نُبادر في إخمادها وهي في طور المهد قطعاً سيصعب علينا مواجهة نارها المُستعرة لاحقاً، واسمحوا لي بأن أضرب لكم مثلاً لما سبق من القول: تدخين اليافعين والمراهقين من أبنائنا وهي قطعاً قضية ليست تافهة ويتفق على خطورتها الجميع فيما أظن ولكن قد نختلف على أسبابها أو خلق البيئة المناسبة لتسهيل حصول المراهق على السجائر مع العلم أن الدول المتقدمة مُنضبطة القوانين لا يُمكن أن تسمح ببيع السجائر أو الكحول إلاّ لمن بلغ السن القانونية ففي بعض البلدان تعتبر سن (18) سنة هي المُناسبة، وبعضها سن (21) المُهم أن لا يبيع أحد على ما دون هذه السن نهائياً .. ويحرص الجميع على الامتثال لهذا لقانون لدرجة لو شكّ البائع في عُمر الشاب فإنه يطلب ابراز بطاقة الهوية التي تُثبت سنّه. الآن وصلنا إلى بيت القصيد ففي بلادنا التي لا قانون يُنظّم ولا يضبط مثل هذه الأمور فالبائع سواء كان مواطناً وهذا نادر أو وافداً وهو الغالب لا يعنيه عُمر المُشتري وأُقسم بأنني قد وقفت بنفسي على حالة بيع سجائر لطفل لم يبلغ العاشرة بعد وكان صاحبنا البائع الآسيوي يبتسم بخُبث وهو يُناول الصغير (البكت). الأدهى من هذا كُلّه حين يُرسل الأب المُستهتر ابنه الصغير ليشتري له السجائر من البقالةِ القريبة من البيت ..!!! في دراسة أُجريت بمُشاركة أكثر من (500) ألف مُراهق في المدارس الإعدادية والثانوية في ولاية كاليفورنيا بأمريكا اكتشفوا أن الأطفال الذين يذهبون إلى مدرسة بالقرب منها مطعم للوجبات السريعة تزيد لديهم فرص اكتساب الوزن والبدانة من أقرانهم الذين يذهبون لمدارس ليست قريبة من مطعم للوجبات السريعة ولهذا ضغطت جماعات المُستهلكين من أجل إصدار قانون بوقف إصدار تراخيص لمطاعم وجبات سريعة قريبة من المدارس. هذا هو التفكير المُعتمد على مبدأ الوقاية خير من العلاج وعلى هذا السياق هل فكّرت الأمانات والبلديات لدينا بمنع إصدار تراخيص فتح بقالات أو دكاكين تبيع السجائر في محيط قريب من المدارس؟؟ تلك هي مُستصغر الشرر التافهة في نظر البعض ... انتهت المساحة ولم ينتهِ الحديث، كل عام وأنتم بخير.