إن الثقافات المختلفة تنتج عقولا مختلفة فتأتي تنوعات العقول بقدر الاختلافات الثقافية، هذا ما حرص على ايضاحه المفكر والكاتب الاستاذ إبراهيم البليهي في محاضرته التي القاها بالنادي الأدبي الثقافي بجدة مؤخرا والذي شهدت قاعته حضوراً كبيراً من كافة شرائح المجتمع ما ادى الى تعدد الآراء والمناقشات التي حولتها المداخلات بعيد المحاضرة. هذا وقد أوضح البليهي في مطلع حديثه ان مفهوم العقل ليس واضحا في الثقافة العربية مما جعل الكثيرين يعترضون على هذا المفهوم لأنهم يعتقدون ان العقل جوهر ثابت وانه لا يويجد عقل عربي وعقول آخرى مغايرة وإنما يوجد عقل بشري واحد، ولذا فان هذا الاعتقاد الخاطئ هو مصدر الكثير من الأوهام فالعقل ليس جوهرا ثابتا وانما هو قابلية تصوغها الثقافات المختلفة صياغات مختلفة. وأكد البليهي في معرض حديثه ان الأمم تتماثل في حظها من القابلية الانسانية فلا يوجد فروق بين الأمم والأعراق من الناحية البيولوجية، انما افتراق الثقافات هو الذي يفرقهم فالناس يولدون باستعدادات غير محددة بل مفتوحة ومرنة ومطواعة. وبين البليهي ان عقل الفرد يصوغه المجتمع الذي نشأ فيه اما المجتمع فهو نتاج موروثاته التاريخية والثقافية انه يرث عقله الجماعي من الأجيال التي سبقته. وعرج البليهي في محاضرته الى القيود التي تكيل العقل البشري التي من أبرزها قابليته بأن يتبرمج بما يتشربه تلقائياً من البيئة . ويواصل البليهي توضيحه لقيود العقل العديدة ولكن من أشدها تقييداً للعقل: الانغلاق الثقافي والاستبداد السياسي والمبالغة في تبجيل الاشخاص وحجر الناس على تقبل أقوال حفنة من الأفراد المبجلين معطلين بذلك ملايين العقول في مختلف الاجيال. وذكر البليهي ان العقل العربي تهيمن عليه النزعة الاسمية فنحن لانستمد معارفنا من محص وتحليل الاشياء ذاتها بل نعتمد على اسمائها فنغفل غفلة مطبقة عن التغيرات النوعية المتلاحقة التي تطرأ على المسميات.