"بابا.. أيش هذا؟".. كانت ابنتي التي جاوزت الأربعة أعوام بأربعة أشهر تنظر إلى الصحيفة الدولية مندهشة أثار سؤالها فضول شقيقتها التوأم فشاركتها الدهشة. اقتربت منهما بينما كانت الصحيفة مفتوحة أمامهما. بادرتني طفلتي بسؤال تال "با شوف الحرمة (المرأة) تحط (تضع) الحديد في فم الرجال (الرجل)". كان الإعلان صارخاً متمثلاً في امرأة تلتفع العباءة السعودية وتضع نظارات شمسية بينما تجلس في المقعد الخلفي لسيارة يقودها على ما يبدو سائق آسيوي فيما تمسك المرأة بلجام يحيط بفم السائق!!. عبارة رئيسة كانت تتصدر الإعلان جاء نصها (لا تجردني إنسانيتي) وعبارات أخرى تتحدث حول المعنى في أسفل الإعلان فيما هناك عبارة أخرى لا توضح هوية مصدري الإعلان حيث اكتفوا بوضع جملة "حملة الرحمة للرفق بالإنسان"..!. في الاسبوع ذاته شاهدت إعلاناً صحافياً في الصحيفة ذاتها "للحملة" ذاتها مضمونة خادمة منزلية يلتف حول رقبتها حبل تمسك به يد إنسان آخر لا تظهر الصورة سوى جزء من هويته بينما الخادمة بالكاد يخرج رأسها ومقدمة جسدها من خلال كوة في جدار منزل.. كان الإعلان يعبر عن مشهد آخر يفتقر لأبسط معاني التعامل الإنساني بل يشير بوضوح لمعاملة حيوانية بصراحة الإعلان والعبارة. حين تحدثت مع أحد الأصدقاء عن هذين الإعلانين قال لي: هناك إعلانان تلفزيونيان "للحملة" ذاتها بثتهما قناة فضائية تعبر عن المعنى ذاته. تساءلت مع صديقي عن هوية الحملة ومن يقف خلفها لأنها لا تحمل شعار جمعية أو منظمة أو مؤسسة سواء حكومية أو أهلية. فلا توجد أدنى إشارة لهوية مصدريها. أخذت أتساءل كيف لأصحابها أن يدفعوا قيمة إعلانات باهظة في صحيفة عربية دولة وقناة عربية دولية دون أن يتركوا أثراً لهم؟!.. على الأقل "لوقو" أو شعار لهذه أو تلك الجهة صاحبة الهم الإنساني..!. المطلع على مضامين تلك الإعلانات "الإنسانية" تصله الرسالة المباشرة وهو إننا مجتمع متوحش نفتقر لأبسط أسس الشعور الإنساني ونعامل الخدم في منازلنا في غاية الوحشية وذاك تعميم لا يليق بمجتمعنا ولا نقبله على الإطلاق ليس بفعل الانتماء بل لأسباب موضوعية.أتساءل كم نسبة من يعامل الخدم بهذه الطريقة أو قريب منها في المجتمع السعودي؟، وأطالب المؤسسات المعنية للخروج والحديث عن تلك الحوادث ومعدلاتها. في المقابل كم من أسرة سعودية لاقت صنوف الاعتداء من خدم المنازل سواء العاملات المنزليات أو السائقين؟!. ولعل فيما تعكسه الصحافة السعودية من حوادث عديدة ضحاياها أطفال بفعل أعمال إجرامية من خدم المنازل في السعودية يعطي مؤشراً عن عنف واضح مصدره خدم المنازل... فهل لفت ذلك انتباه مطلقي الحملة؟!.يمكن تقبل مضمون الحملة لو انها تعرض هذه الإعلانات بالتوازي مع اعلانات تتحدث عن أسر سعودية تعامل الخدم معاملة إنسانية كما هو الحال في كثير من المنازل عندها يمكن أن نقول إن الحملة موفقة وذات هدف ويمكن أن تصل لغايتها النبيلة المفترضة وهو الرفق بالعامل المنزلي من بعض المتجاوزين. ولو ان الحملة عرضت التجاوزات الأخلاقية والعنف من بعض خدم المنازل تجاه الأطفال لقلنا ان الحملة تريد معالجة أزمة العمالة المنزلية في السعودية والممارسات غير الإنسانية التي تحدث من البعض من كلا الطرفين. لكن أن تصاغ الإعلانات بهذه الطريقة المجحفة فإن في ذلك تشويه متعمد للمجتمع السعودي في ما يخص هذه القضية والسكوت على ذلك اقرار بشيوع تلك الممارسات وسيخلق صورة ذهنية سلبية عن المجتمع السعودي مما سيجعل الكثير من الخدم يحجمون عن القدوم والعمل في المملكة أو يشترطون شروطاً تعجيزية ويمارسون ابتزازاً مالياً لا ينتهي. وعلينا أن نتذكر ونذكر أصحاب الحملة "المجهولين" بضياع حقوق الأسر السعودية المادية جراء الهروب المتزايد للعمالة المنزلية فضلاً عن انخراطها في أعمال لا أخلاقية تديرها عمالة وافدة ولعل ذلك مرده إلى غياب تشريعات وأنظمة تحفظ لرب العمل حقوقه المادية والمعنوية كما تحفظ للعامل حقه المادي والمعنوي.في النهاية ما زلنا نتساءل عن من يقف خلف حملة تشويه المجتمع السعودي بهذه الصورة ويدفع مبالغ باهظة في هذا السبيل ومتى يتم تصحيح ذلك؟! *كاتب صحفي