أصدرت وزارة العمل قبل أيام ضوابط جديدة لاستقدام العمالة المنزلية، وتهدف هذه الضوابط كما صرح سعادة وكيل وزارة العمل للشؤون العمالية إلى التواؤم بين سياسة الدولة في الحد من الاستقدام وبين الحاجات الحقيقية للمواطنين من العمالة المنزلية، وأن هذه الضوابط تسعى لتسهيل حصول الأفراد على حاجاتهم دون الإخلال بمبدأ الترشيد مع الحرص على حقوق العمالة المنزلية عن طريق اشتراط القدرة المالية المناسبة لدى الطرف المستقدم (صحيفة «الرياض» بتاريخ 1012/1426). والضوابط الجديدة والتي سيبدأ العمل بها اعتباراً من يوم غد السبت الأول من ذي القعدة، هي: أولاً: يجوز للأسرة السعودية استقدام عاملة منزلية بشرط وجود طفل واحد أو عمل الزوجة أو كونها طالبة وكذلك توفر القدرة المالية اللازمة لذلك. ثانياً: يجوز للأسرة السعودية استقدام سائق إذا كانت الزوجة أو الابنة غير المتزوجة تعمل، أو كان لدى الأسرة أطفال في المدارس، بشرط توفر القدرة المالية لذلك. ثالثاً: للموافقة على استقدام عاملة منزلية ثانية فإن ذلك يتطلب وجود طفلين أو وجود زوجة ثانية أو إعالة الوالدين مع القدرة المالية. رابعاً: للموافقة على استقدام سائق ثان يتطلب وجود أكثر من زوجة وأبناء بالمدارس أو بنات غير متزوجات يعملن. خامساً: يوافق لكل مواطن يعاني من العجز بسبب السن أو المرض أو الإعاقة، هو أو أحد أفراد أسرته ممن يعولهم شرعاً، استقدام سائق أو عاملة منزلية أو ممرضة حسب الحاجة وبعد تقديمه لتقرير طبي يثبت حالته وحاجته بشرط توفر القدرة المالية. سادساً: في غير الحالات السابقة يرجع إلى الوزارة للنظر في تلك الحالات على ضوء معطياتها. سابعاً: في جميع الحالات المشار إليها أعلاه يجب أن يثبت المستقدم قدرته المالية على دفع الأجر سواء من جهة عمله أو من أي جهة مالية على ألا يقل دخله الشهري عما يلي: حالة الاستقدام الأولى «3500» ريال، حالة الاستقدام الثانية «8000» ريال، حالة الاستقدام الثالثة «12000» ريال، حالة الاستقدام الرابعة «20000» ريال، أكثر من أربع حالات: تعرض على الوزارة. ثامناً: المواطن الذي لا يعمل بوظيفة حكومية أو بالقطاع الخاص وليس له عمل مرخص بسجل تجاري ساري المفعول عليه تقديم إثبات حساب بنكي لمدة 6 أشهر لا يقل معدل الرصيد الشهري عن القائمة أعلاه. وبدورنا وبعد عرض الضوابط السابقة لاستقدام العمالة المنزلية يحق لنا التساؤل هل ستفي هذه الضوابط لحل جميع مشكلات العمالة المنزلية من الناحية القانونية والتنظيمية، وهل ستنجح فعلاً في إحداث التوازن المطلوب والمنشود من وزارة العمل والتي ذكرناها في مستهل الموضوع. يجب أن نعترف أن موضوع العمالة المنزلية موضوع ضخم ولا يمكن اختزاله بهذه الضوابط، وخاصة في جانب التنظيم القانوني لعمل العمالة المنزلية، أما الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للموضوع فلها مختصوها ولا مجال للنقاش حولها في هذا المقام. فهذه الضوابط تركز على محور واحد تقريباً وهو مدى القدرة المالية لطالب الاستقدام وعدد أفراد الأسرة، وكأن المشكلة في استقدام العمالة المنزلية تقتصر على ذلك، فالمسألة بلا شك أكبر من ذلك. فالمطلوب تنظيم قانوني شامل لكل ما يتعلق بالعمالة المنزلية ابتداء من طلب الاستقدام حتى إجراءات السفر والمغادرة شاملاً جميع الحقوق والواجبات للخادمة والكفيل أو رب الأسرة، فحتى الآن لا يوجد في المملكة نظام أو لائحة للعمالة المنزلية رغم أن عددهم بلغ بحسب إحصائية أعدها باحث سعودي (صحيفة الرياض بتاريخ 23 شوال الجاري) حوالي مليون شخص (بما فيهم الخادمات المنزلية وعمال الطبخ والقهوجية والسائقون وكل من يعمل في الخدمة المنزلية) وقدر حجم الإنفاق السنوي من الأسر السعودية على هؤلاء العمالة ب (21) مليار ريال. فرغم هذا العدد الكبير والمبالغ الباهظة لا يوجد لهم تنظيم قانوني مستقل، فنظام العمل سواء القديم أو الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم م / 51 وتاريخ 23/8/1426ه قد استثنى خدم المنازل من أحكامه، إلا أن مما يحسب للنظام الجديد هو ما اشتملت عليه المادة السابعة منه وجاء فيها «وتقوم الوزارة - أي وزارة العمل- بالتنسيق مع الجهات المختصة بوضع لائحة خاصة لخدم المنازل ومن في حكمهم تحكم علاقتهم مع مستخدميهم، وتحدد حقوق وواجبات كل طرف منهم، وترفعها لمجلس الوزراء» وقد أكد مسؤول في وزارة العمل أن الوزارة تعكف الآن على إعداد هذه اللائحة. وبما أننا في صدد الإعداد فالفرصة الآن مواتية لتقديم الاقتراحات حول هذه اللائحة، والاقتراحات التي يمكن أن تقدم هي من صميم المشكلات الموجودة، ومنها مكاتب الاستقدام الأهلية فكثيراً ما تثار المشاكل حول أدائها وعدم التزامها ببنود وشروط العقد الموحد والمعتمد من وزارة العمل، فنطالع في أحايين كثيرة بصفحات الجرائد شكاوى من مواطنين حول بعض هذه المكاتب وعدم التزامها في المدد أو الشروط وخلافه، وقد قرأنا مؤخراً أن هناك فريق عمل من وزارات الداخلية والعمل والتجارة لدراسة إنشاء ثلاث شركات استقدام مساهمة يندمج فيها جميع مكاتب الاستقدام الأهلية الحالية والبالغ عددها حوالي (370) مكتب استقدام، وفكرة الدمج تحتاج بالطبع لدراسة مستفيضة من جميع الجوانب، وما يعنيا هنا هو وجوب وجود تحرك فاعل لمعالجة موضوع مكاتب الاستقدام الأهلية وإعادة آلية تنظيم عملها لتحقيق فوائد عدة منها حفظ حقوق المواطنين. وهناك أمر آخر نتمنى أن يشمله التنظيم في اللائحة القادمة لخدم المنازل، وهو موضوع العمل المؤقت للخدم أو استئجار عمل الخدم، فكما هو معلوم لدى كثير من الناس فإن هناك سوق سوداء لتشغيل الخادمات الهاربات من كفلائهن، ويلجأ بعض الأشخاص لذلك في ظل القيود الحالية على استقدام خدم المنازل، فالوضع الحالي يشير إلى أنه لا يمكن لشخص طلب استقدام خادمة جديدة إلا بعد أن يرفق شهادة مغادرة للخادمة السابقة، لذا ينجم فجوة زمنية تصل في المتوسط إلى 45 يوماً، ولمعالجة ذلك يلجأ الشخص إلى السوق السوداء للخادمات الهاربات للاستعانه بإحداهن لسد هذه الفجوة الزمنية. ولمعالجة ذلك نقترح السماح بمكاتب الاستقدام باستحداث قسم خاص لتأجير عمل الخادمات المنزلية لفترات قصيرة وبشروط وبتنظيم واضح لقطع الطريق أمام هذا السوق غير النظامي. ونقترح أن تشمل اللائحة إيضاً على بيان تفصيلي لمسألة الحقوق المادية للعمالة المنزلية، فاشتراط القدرة المالية لطالب الاستقدام لا يكفي بحد ذاته لضمان الحقوق المالية لهم، لذا يقترح فرض عقوبات على الكفلاء الذين يتقاعسون أو يتعمدون انتهاك الحقوق المالية للعمالة المنزلية، وكذلك لمن يسئ التعامل مع العمالة المنزلية من ضرب وإهانة وعدم مراعاة إنسانيتهم بأي صورة كانت، بل يصل بالبعض إلى معاملتهم وكأنهم آلات وليسوا بشر من حيث عدد ساعات العمل في اليوم وتحميلهم أعمال لا يستطيع أحياناً أعتى الرجال القيام بها. لذا نتمنى من وزارة العمل عدم التهاون أبداً على منتهكي الحقوق المادية والمعنوية للعمالة المنزلية وتوقيع الجزاءات المادية عليهم من توقيع غرامات والحرمان من الاستقدام لفترات زمنية محددة تصل حتى الحرمان النهائي من الاستقدام. بالإضافة إلى الجزاءات الجنائية على هذه الانتهاكات والتي ستكون حتماً مسؤولية جهات أخرى غير وزارة العمل. فكل ما نتمناه في اللائحة المرتقبة أن تقيم علاقة توازنية تحفظ حقوق الطرفين العمالة المنزلية والكفلاء، وخاصة حقوق العمالة المنزلية والتي كثيراً ما استغلت انتهاكات حقوقهم من جهات خارجية دولاً كانت أم منظمات كمنظمات حقوق الإنسان للنيل من المملكة وشعبها وتحقيق أهداف أخرى غير معلنة، وسواء وجد التنظيم القانوني للعمالة المنزلية أم لا، فالأمر لا يحتاج للتذكير أنهم أمانة في أعناقنا سنسأل عنهم يوم القيامة إن أسانا معاملتهم، والله اعلم. ٭ باحث قانوني [email protected]