@@ في مثل هذا اليوم منذ ألف وأربعمائة عام.. @@ ألقى الرسول الأعظم محمد بن عبدالله خطبته الوداعية الأخيرة إلى أمم الأرض كافة -وكأنه يتوقع وفاته-.. @@ تلك الخطبة النبوية (التاريخية) العظيمة.. شرعت.. وقننت.. ونظمت الكثير من أسباب العيش.. والتعامل.. والتصرف.. في الحياة الدنيا.. بصورة محكمة وغير مسبوقة.. @@ ولو عدنا إلى كل أنظمة العالم.. ودساتيره.. @@ ولو راجعنا كل القوانين الصادرة.. والمأخوذ بها في مختلف العصور.. والأحقاب التالية لظهور الإسلام.. لوجدنا أنها تدور في فلك هذه (الوثيقة) النبوية (التاريخية) التي غطت الكثير من الشؤون -رغم قصرها- وجُعلت أمام البشرية )نبراساً( يحتكمون إليه.. ويتحركون في إطاره.. رغم اختلاف مذاهبهم.. ومللهم.. وأديانهم.. وثقافاتهم.. @@ فَعَلَ هذا رسول الله.. بتوجيه (رباني).. @@ لخص فيه الكثير من أحكام القرآن.. @@ وجعله بمثابة هُدى للناس.. وتبيان.. @@ يقول صلوات الله عليه وسلامه: "أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" @@ هذا التحريم المطلق.. للتعدي على روح الإنسان.. وعلى أمواله.. وعلى عرضه.. فيه رُقيٌّ إنساني.. وفيه إشاعة لروح التعايش.. والحب.. والسلام.. صيانة للنفس البشرية.. وحماية للأموال الحلال.. وتطهيراً للأعراض من إلحاق الأذى بها.. @@ فأي قانون.. @@ وأي نظام.. @@ وأي بلد في هذا العالم.. لا يقف بإجلال أمام هذه المبادئ.. @@ وأي مجتمع من المجتمعات لم يأخذ بنواصيها.. ويطبقها في حياته نشداناً للاستقرار.. وللسلام الاجتماعي.. @@ ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام: "واستوصوا بالنساء خيراً.. فإنهن عندكم عوانٍ لا يملكن لأنفسهن شيئاً.. وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله.. واستحللتم فروجهن بكلمة الله.. فاتقوا الله في النساء.. واستوصوا بهن خيراً" @@ فهل هناك نظام في الدنيا كفل للمرأة ما كفل لها الإسلام.؟ @@ وهل هناك أنظمة وقوانين.. تضع المرأة في موضع الكرامة هذا.. كما أراد الله لها في عقيدة الإسلام.؟ @@ وهل هناك مجتمع أراد الله له.. ثم نبيه الكريم.. له أن يجعل المرأة بهذه المكانة.. أكثر من دين الله الحق.؟ @@ المهم أن نعرف مغزى هذا التوجيه.. @@ وأن نجعل من المرأة كياناً نحترمه.. ونجله.. ونعطيه من الحقوق.. ما أعطاه الله.. ونبه إليه نبيه الكريم.. @@ ثم ماذا بعد؟! @@ يقول المصطفى الأمين: "إنما المؤمنون إخوة ، ولا يحل لامرئٍ مال أخيه.. إلا ما أعطاه من طيب نفس منه ، فلا تظلمنّ أنفسكم.. ولا ترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض".. @@ ترى ما هي حال الأمة الآن؟ @@ وأين هي من هذا التوجيه الخالد؟! @@ بل أين هي من هذه القراءة لمستقبل الأمة.. وكان الرسول قد توقع ما سيحل بهذه الأمة من بعده.. بدءاً بالاختلاف بين الصحابة.. وانتهاء بما يحدث الآن بين أبناء البلد الواحد.. @@ فهل هناك من هو أجدر منا.. بتذكُّر هذا التحذير.. والعودة إلى الله.. والبعد عن الصراع.. والاقتتال.. والتناحر.؟ @@ ليس هذا فحسب.. @@ بل إن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام يقول: "أيها الناس.. اسمعوا قولي واعقلوه.. ألا إن ربكم واحد.. وإن أباكم واحد.. كلكم لآدم ، وآدم من تراب.. إن أكرمكم عند الله أتقاكم.. لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى" @@ فهل ما نسمع عنه الآن في هذا الزمن.. من إعلاءٍ لحقوق الإنسان.. وتأكيد على المساواة.. وبعد عن العنصرية.. أو اللون.. أو الجنس.. أو المذهب.. بعيد عن هذا التوجيه؟ @@ إن عظمة الإسلام.. @@ تتمثل في أنه يمثل رؤية سابقة لعصور الإنسان المتأخرة.. ومنظم لحياة الإنسانية.. بما لم تستطع كل أنظمة الدنيا وقوانينها.. أن تأتي بأفضل مما أتى به رسول الهداية والحق والعرفان.. @@ وشيء أخير.. انطوت عليه هذه الخطبة العظيمة.. لا أذكر أن أحداً قد تنبه له من قبل.. @@ ذلك هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. كان حريصاً على أن ينهي كل فقرة من خطابه التوجيهي العظيم بعبارة: "ألا.. هل بلغت.. اللهم اشهد" @@ فماذا يعني هذا.؟ @@ إنه يعني أن ما شهدناه في العصور المتأخرة من ظهور الإعلام.. بنظرياته.. وتوجهاته.. ومؤثراته لم يكن جديداً على الفكر الإسلامي.. @@ كما يعني أن الرسالة السماوية الخالدة.. قد خطَّت على مبدأ إعلام الخليقة بما ينفعهم.. ويفقههم بأمور دينهم ودنياهم.. ويحذرهم من الوقوع في شرك الخطيئة.. ويدعوهم إلى العمل من أجل الصلاح.. من أجل الخير.. من أجل السلام وإشاعة روح الحب.. والعمل.. والمساواة.. والعدل بين بعضهم البعض. @@ فكيف لا نقف اليوم إجلالاً.. لذكرى المصطفى الأعظم؟ @@ وكيف لا نتذكر في هذا المقام.. @@ في يوم عرفة.. @@ في يوم المشهد العظيم.. @@ كل هذه التوجيهات العظيمة.. ونعتز بديننا.. ونعتز بأنبيائنا.. ونقف إجلالاً أمام هذا الإرث العظيم الذي تركه لنا آخرهم عليه أفضل الصلاة والسلام.. @@ فاللهم اهدنا.. وعافنا.. واعف عنا.. وأنر بصائرنا.. وقوِ إيماننا.. واجعلنا أمة متحابة.. متجانسة.. فخورة بانتمائها إلى عقيدة.. حكَّمت العقل.. وكرست الفضيلة.. وأشاعت الخير.. ونهت عن المنكر بكل أشكاله وألوانه.. والحمد لله رب العالمين.. @@@ ضمير مستتر: @@ (لا أعظم من الوقفة في هذا اليوم.. تضرعاً لله.. وخشية منه.. وأملاً في غفرانه.. وهدايته).