كل يوم نواجه النفس وما تهوى.. نشمّر (الأكمام)، ونغرق في ساحة الالتحام، والعراك والاشتباك، في سبيل ما نظن أنه الممكن والمتاح والمباح.! حتى إذا وضعت الحرب أوزارها جاءت النفس وما تهوى لتحمّلنا مسؤولية الهزيمة.. وكأنها لم تكن هي التي (كشّت التراب)، وأشعلت الثقاب، وورطتنا مع الأحباب، وأسدلت بيننا وبينهم كل سد وحجاب.! ويفضي بنا التحدي الى نزال آخر مع النفس التي تشتعل وتشتغل بما تهوى سادرة فيما تظن انه حرية الاختيار.. حتى إذا وقعت (الفاس في الراس) استرجعنا: إيه يانفس الى الله أنيبي ثم توبي واذا وسوس شيطاني بإثم لا تجيبي الرغبة ألم.. والحرمان منها ألم.. في حاليء الانقباض والانبساط.. الإقدام والإحجام.! ويا لتلك الصور الفاتنة الفنانة ترسمها ريشة ذلك الضيف الذي طال مكوثه مع الألم والامل ورحل. كان (طاهر زمخشري) الرقيق العطوف ضيفاً على الحياة.. سخت عليه بصنوف آلامها المولعة بالطيبين.. ولم يكن مع ذلك يتبرم.. بل كان يناجيها ويناغيها.. لا يأبه بسطوتها ممتناً لها ولقسوتها، بما شكلته في وجدانه، وما أجرته على لسانه من كلام عذب، صيغ في عذابات صقلته كما تصقل النار المعادن النفيسة.! وأزعم أنني قل ما أرى هذه الصور في بوح غير طاهر زمخشري.. ولعل ذلك مرجعه القرب الذي يدنينا بالألفة ممن نحب.. ومن ذا الذي لا يحركه ذوب نفس ينسكب في كل مسلك مر به قلب دائم الوجيب؟! كيف يتأتى لإنسان أن يقول كلاماً يحرك الأشجان إن لم تكن التجربة بالناس والحياة قد خبزته وعجنته، وألقته في (فرنها) لينضج ولتلوكه بين الفكين على مهلها؟! يتجافى عن المضاجع جنبي والمآقي تسح دمعاً هتونا من هموم مبعثرات حياتي وقتام أعيش فيه سجينا وتضيق الأرض بما رحبت.. ويطبق عليها الفضاء فلا يجد خديناً إلا ذلك الذي يقتات حلو أيامه. وبعيداً عن الصوت ومداه، والصدى ورجعه، تُستروح الاشياء. ومسكين إنسان هذا الكوكب الساخن.. الذي يفترض أن يكون (سكناً) لكن هيهات.. كلما خفق فيه جناح حمامة، روعها صغير بحجر.! والصغير - ياولدي - ليس أنت، إنما الصغير هو صائد الحمام من الأنام.! صغير العقل.. والقلب.. والنفس الذي لا يرى بعينيه جمالاً. إن مسألة (الجمال والقبح) تتجاوز النظرة للسطح والإطار الى عمق العمل التشكيلي لإنسانها الفنان. يذرع الإنسان سنين العمر بحثاً عن سعادة (على مقاسه).. ولأن السعادة أمر معنوي، ومقاساتها ليس لها (نِمر)، فقد تأتي لمن لا يطلبها (واسعة).. وتأتي لمن يحتاجها ضيقة و(بلا أكمام).! طار الحمام.. و(خلص الكلام).. وعليكم السلام.!