نوفل بن دارم أحد زعماء مخزوم تعرض لمقلب شعري طريف من شاعر مدحه وذمه في نفس القصيدة .. فقد قال في مدحه : إذا أتيتَ نوفل بن دارمء أمير مخزوم وسيف هاشم وجدته أظلم كل ظالم على الدنانير والدراهم وأبخل العرب والأعاجم بعرضه وسره المكاتم لايستحي من لوم لائم إذا قضى بالحق في الجرائم (... الى آخر القصيدة ...) وبعد أن نال جائزته وغادر المكان اتضح أن الاكتفاء بقراءة أول شطر (فقط) من كل بيت يحولها الى قصيدة ذم - على النحو التالي : إذا أتيت نوفل بن دارمء وجدته أظلم كل ظالم وأبخل العرب والأعاجم لا يستحي من لوم لائم (... الى آخر القصيدة ...) هذه الأبيات - على ركاكتها - مجرد نموذج للجمع بين موهبة الشعر والتلاعب بالأبيات والجمل البلاغية .. وهي نماذج وجدت منذ العصر الجاهلي واشتهرت في عصور الترف بين العباسيين والأمويين في الأندلس .. فهناك مثلا قصيدة نظمها اسماعيل المقري حين تقرأ من اليمين الى اليسار تكون مدحاً ، ومن اليسار لليمين تكون ذماً .. ففي المدح (من اليمين لليسار) : طلبوا الذي نالوا فما حرموا رفعت فما حطت لهم رتب وهبوا وما تمت لهم خلق سلموا فما أودى بهم عطب جلبوا الذي نرضى فما كسدوا حمدت لهم شيم فما كسبوا في حين تصبح ذما في حال قرأتها من اليسار الى اليمين (... وجرب بنفسك) ! ... أما واصل بن عطاء (وهو من أئمة المعتزلة) فكان مصابا بلثغة في الراء جعلته يتجنبه في خطبه وأشعاره .. وكان إذا أراد ان يقول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" قال "أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي" واذا اراد ان يقول "بسم الله الرحمن الرحيم" قال "بسم الله الفتاح المنان عظيم الجود السلطان" ... ولكن رغم حرصه على إخفاء مشكلته مع الراء يبدو ان (صعلوكا) من صعاليك الشعر تنبه الى سره فقال فيه هذين البيتين : يجعل البر قمحاً في تحدثه ويجانب الراء حتى يحتال للشعر ولا يقول مطرا والقول يعجله فلاذ بالغيث إشفاقا من المطر .. وخطب واصل (الخالية من حرف الراء) لا تعد شيئا أمام خطب غريبة عجيبة إن قرأتها من آخرها لأولها تعطيك معنى مغايرا ، وإذا قرأتها من اعلى الى أسفل او من اسفل الى اعلى تفيد في مواضيع شتى مختلفة (وللأسف لا يتسع المجال لسردها).. وفي حين كان لواصل عذره المقبول كانت معظم القصائد والخطب - التي نظمت بهذه الطريقة - مجرد وسيلة للتذاكي والاستعراض من قبل شعراء (شحاذين) وأدباء (عاطلين عن العمل) !!