إن مأساة البرد في الحدود الشمالية وتحديداً في عرعر ليست وليدة هذا العام أو الذي قبله، بل هي مشكلة متكررة في كل عام، نعلم وقتها، ونعلم حصولها، والمصيبة أننا لا نتحرك لحل هذه المشكلة، إنما جل ما نعمله أن نجمع شيئا من البطانيات وقليلا من الحليب ليوزع على القليل من هؤلاء المتضررين، وكأننا هنا قمنا بحل المشكلة جذرياً، لقد أظهرت أزمة البرد في عرعر في عامنا الماضي، وستظهر هذا العام أيضاً، أن في الزوايا خبايا، وفي الحدود بلايا، وكشفت أن وجهاً آخر يختبئ خلف مسمى عرعر، وجه يعاني الوهن والعجز، ويشتكي المرض والشيخوخة، ونبهتنا تلك الأزمة أن ثمة أرواحاً بشرية تسكن في صفيح لا يقي حرا ولا قراً، ويفتقدون إلى أبسط مقومات العيش الكريم، لقد أظهرت هذه المأساة أننا نترك أسباب المشكلة، ونتعلق بحلول مسكنة، والأدهى أننا نقدم هذه الحلول المسكنة كنوع من العمل البطولي، وشيء من الإنجاز والإعجاز، نظل نتشدق به حتى توقظنا مأساة أخرى، إننا بحاجة ماسة أن يتدخل ولاة الأمر حفظهم الله "وهم عودونا على ذلك" بحل المشكلة في هذه المنطقة وفي غيرها من المناطق، كما انتهز هذه الفرصة لأنبه الأخوة المحسنين في مملكتنا الغالية إلى تفقد هؤلاء، وأن يرسلوا مناديبهم إن لم يستطيعوا الوقوف بأنفسهم على هؤلاء المحتاجين، كما أوجه النداء مثله لبعض المحسنين في عرعر الذين أصبحت زكواتهم تصرف بعشوائية، وبدون تدقيق على تلك الطوابير التي تقف أمام منازلهم، اختلط فيها المقتدر بالفقير، وكثير من المتعففين حرم منها لما فيها من إهدار الكرامة، وإهانة النفس، وأصبحت أقرب للشرهة منها للزكاة، وقد يقول قائل أن بعض سكان الصفيح هم من المقتدرين، وممن يملكون منازل، لكنهم فضلوا السكن في هذه المنازل رغبة أو حرصا فأقول إن واجبنا أن نقف على الضعيف والمسكين ونتحقق من حاجته، وهذا هو دور اللجان التي كانت تعمل، ثم ليس من المعقول أن يحرم الفقراء بحجة أن عددا قليلا يسكن بينهم من المقتدرين، ناهيك عن العشرات بل المئات والآلاف ممن تسترهم جدر المنازل لا يملكون لقمة يسكتون به ضجيج أبنائهم، ولقد وقفت على كثير من هذه العائلات بنفسي، وداخل أحياء سكنية وليست في صفيح تتلاعب به الريح، وكل شتاء وأنتم بخير. @ المستشار في مركز الدعوة في الرياض