قدرة الإنسان المذهلة على قهر الصعاب والعوائق التي تواجهه وتطور قدراته كانت ولا تزال الدليل الدامغ على عظمة الخالق جل وعلا في خلقه، وفي عطائه وأخذه. هذه القدرة التي تصقلها ظروف الحياة المختلفة وتغذيها عزيمة الانسان المتقدة واصراره على التحدي للبقاء ولإثبات الذات ضمن المنظومة والبيئة التي يعيش فيها هي التي انتجت نماذج يحتذى بها ومنابر تعتلى لذوي الهمم العالية ممن لم تثنهم اعاقاتهم المختلفة الجسمية أو العقلية عن اثبات وجودهم وحفر اسمائهم جلية على صخور الحياة الصعبة. عندما قرأت كتاب جمعية وطن الذي يلخص مسيرة 25عاما قضتها جمعية الأطفال المعوقين في خدمة هذه الفئة الخاصة من المجتمع وتهيئتهم للتفاعل مع مجتمعهم وتخطي حدود إعاقاتهم لعيش متوازن وكريم يحترم حقوقهم ويعينهم على تأدية واجباتهم كعناصر فاعلة ومنتجة في المجتمع أدهشتني التطورات المطردة التي احتوتها الفترات الزمنية المتلاحقة لهذه الجمعية والطموحات المتنامية لها في زيادة رقعة خدماتها وتطويرها، والمنطقية والموضوعية التي عبر بها الكتاب عن المراحل المختلفة لتطور هذه الجمعية والخطوات المستقبلية لها بما تحتويه من تحديات وصعوبات وخطط لتوعية المجتمع بحقوق هذه الفئة المميزة من المجتمع وطرق دعمها وتشجيعها على التفاعل أكثر بما تستحقه هذه الفئة من اهتمام وتعاون وتحفيز. كتاب جمعية وطن كان ناطقا حيا بالجهود القيمة التي بذلت لإرساء دعائم هذه الجمعية الفعالة والمنتجة والخدمات التي قدمتها وستقدمها للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في مناطق المملكة المختلفة والخطى المدروسة التي تنتهجها جمعية الأطفال المعوقين ممثلة برئيس مجلس إدارتها سمو الأمير سلطان بن سلمان وأعضاء اللجان المختلفة فيها من مستشارين ومشرفين ومتطوعين. بقي أن نتساءل عن أوضاع ذوي الاحتياجات الخاصة في مراحل ما بعد الطفولة ومدى تهيؤ المجتمع لهم بمؤسساته المختلفة الحكومية والخاصة، وتفاعله معهم ومع احتياجاتهم بعد انهائهم لمراحل تعليمهم الأكاديمية والمهنية، والذي كان ولا يزال تعلوه ضبابية مشوشة يكابدها ذوو الاحتياجات الخاصة وأهاليهم في إيجاد الفرص المكافئة التي تضمن لهم تفاعلا أكبر واستقلالية كريمة تمتص تداعيات إعاقاتهم المختلفة وتضمن لهم حياة متوازنة تتناسب مع احتياجاتهم وطموحاتهم. أسر كثيرة كانت ولا تزال تعاني في إيجاد وسائل ثابتة ومضمونة ومراكز متمكنة قادرة على استيعاب احتياجات هذه الفئة الخاصة واستثمار طاقاتها ومواهبها وقدراتها بما يعود بالنفع عليها وعلى مجتمعها. كما أن القطاع الخاص والعام لا يزالان يعتبران مقصرين في مستوى الخدمات والتسهيلات التي يقدمانها لهذه الفئة من المجتمع بما يستوجب بذل المزيد من الجهود وفرض مزيد من الشروط على منشآت القطاع العام والخاص بتوفير جميع الخدمات اللازمة وتهيئة الظروف لجميع شرائح المجتمع المحتاجة ومن ضمنها ذوو الاحتياجات الخاصة. ذكرت لي إحدى الأمهات عن موقف محرج عاشته لمدة نصف ساعة عندما قررت اصطحاب ابنها من ذوي الاحتياجات الخاصة لمكتبة تجارية مرموقة وعريقة والتي بالرغم من فخامة بنائها وروعة تنسيق محتوياتها لم تنتبه لضرورة ايجاد مصاعد كهربائية أو مسارات لذوي الاحتياجات الخاصة وعندما احتاجت للصعود للدور العلوي مع ابنها بكرسيه المتحرك لشراء كتب للأطفال وتساءلت عن وجود مصاعد لتستخدمها طلبوا منها الانتظار لمدة نصف ساعة لحين حضور الشخص المسؤول ليسمح لها باستخدام المصعد الخاص بالموظفين!! موقف معبر يبين مقدار الوعي الذي يحمله المجتمع عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ونظرة الشفقة العقيمة التي ننظر بها لهم والتي لا تتعدى مدى ما تبصره أعيننا ولا ما تحمله شغاف قلوبنا مع أن ما يحتاجون له ليس هذا ولا ذاك بل هو الاحترام والإدراك الحقيقي لاحتياجاتهم والإيمان الصادق بقدراتهم.