لا.. ما يحدث اليوم ليس نوعا من التجميل الإعلامي، وليس نوعا من الحضور المناسباتي. مايحدث اليوم في المملكة هو الدخول المباشر في خضم الأحداث الدولية والإسهام الحضاري في تغيير العالم. حتى فترة قريبة كانت الصورة الذهنية إعلاميا وثقافيا عن المملكة أنها تلك الدولة العربية البسيطة التي تنتمي إلى العالم الثالث، تلك الدولة التي يرتهن حضورها إعلاميا ووثقافياً واقتصادياً بأمرين: وجود الحرمين الشريفين، ووجود النفط. هذه هي الصورة المتداولة إعلامياً، بما يتبعها من إقامة الحج والعمرة، وحضور ملايين المسلمين سنوياً لأداء مناسكهم في البيت الحرام وزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. أو من خلال حضور المملكة النفطي وتأثيرها في أسعاره العالمية صعوداً أو هبوطاً. هكذا كان حضور المملكة في الذهنية الإعلامية، غربياً أو حتى عربياً، مع أن أدوار المملكة - وهي أدوار لم توف حقها على المستويات التاريخية والثقافية والحضارية في الأدبيات العربية - كانت وما تزال أدوارا بارزة لها عمقها النوعي، ولها تأثيراتها الاستراتيجية إلى حد بعيد بدءاً من المشاركة في إنشاء وتأسيس جامعة الدول العربية إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، إلى دعم مختلف الأقطار العربية خاصة فيما كان يسمى بدول المواجهة العربية ضد إسرائيل، وظهور الدور الكبير المباشر للمملكة في دعم الانتصار العربي في حرب أكتوبر 1973م. ولايقف الدور السعودي المؤثر عربياً وإسلامياً عن هذه الحدود وإنما تتابع الأدوار على المستويت الدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية منذ تأسيس المملكة في العام 1932م وحتى اليوم، وتشهد المرحلة الزمنية التي تلت مرحلة الطفرة على هذا الدعم السعودي الكبير للعالمين العربي والإسلامي، وهو دعم يحمل عنوانا كبيراً مفاده: أن المملكة في ذروة ازدهارها لاتتنكر لجذورها وثقافتها العربية الإسلامية، وأنها - على الرغم من بعض الصور الذهنية الجاحدة لدورها-تسهم بشكل جوهري مؤثر في اقتصاديات شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، وليس أدل على ذلك من أن ملايين الأسر في العالمين العربي والإسلامي استفادت كثيرا من الطفرة التنموية السعودية عبر عمالتها التي عملت بالسعودية خلال العقود الماضية في بناء بيوتها وتحسين أوضاعها المعيشية. هذه الأدوار الاقتصادية والسياسية والإنسانية التي عززها الدور الديني في قيادة العالم الإسلامي، وبناء المساجد والمراكز الإسلامية، ونشر الدعوة الإسلامية في أنحاء العالم، عززت كثيراً من الحضور السعودي المؤثر على المستويات الإقليمية والعربية والإسلامية والعالمية. من هنا فإن المملكة وهي تخرج إلى الفضاء العالمي الرحب، لتتحول إلى صناعة التاريخ، وإلى الإسهام الجاد في صنع الأحداث والتحولات، إنما توسع من رقعة تأثيرها الدولي الحضاري. لقد جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بعقد مؤتمر عالمي لحوار الأديان والثقافات لتنقل الحوار العالمي نقلة جديدة مغايرة، تنقله لأول مرة الباحات الضيقة، ومن نخبويته وأكاديميته ليصبح حواراً شاملاً مؤثراً في المشهد العالمي، وترتفع به إلى مسابقات المسؤولية السياسية التاريخية. إن مبادرة حوار الأديان والثقافات التي تبنتها الأممالمتحدة فتحت عهدا جديداً من التلاقي والتعارف بين الأديان والحضارات، ونجحت بامتياز في زحزحة المفاهيم التصادمية مثل: صدام الحضارات، ونهاية التاريخ، والإسلام الراد يكالي تلك التي روج لها نفر من الفلاسفة والمفكرين الغربيين أمثال: صامويل هنتجتون، وفوكو ياما، وبرنارد لويس. كما أن مشاركة المملكة في مؤتمر القمة الاقتصادية العالمية، جاءت لتؤكد أهمية الدور الاقتصادي الكبير الذي تنهض به المملكة عالميا عبر إسهاماتها الاقتصادية الدولية وتقديمها المساعدات للدول النامية. لقد أثبت خادم الحرمين الشريفين بحق أن للمملكة دورها الجوهري في تحريك المشهد العالمي صوب الالتئام والتفاهم، وهو دور انتظره العالم الإسلامي طويلاً ليغير الصورة الإعلامية الغربية التي اتهمته بتهم باطلة، فيما انتظر الشعب السعودي قائده في هذه المرحلة الإصلاحية ليخرج به قليلاً إلى فضاء العالم الواسع الرحب، مؤثراً، وملهما، وصانعاً لصورة جديدة تتبوأ بها المملكة مكانتها وريادتها الحقيقية.