نبه وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ إلى أننا نشهد اليوم أن الدعوة إلى الله قد توجهت إلى العقل ونسيت القلب، وتوجهت إلى تحدِّ تياري وتحدِّ توجهي، وضعف الأداء في بناء الذات المسلمة والأسرة المسلمة للمستقبل. وأكد آل الشيخ - في كلمة افتتح بها الندوة التي عقدتها (مجلة البيان) مساء أمس الأول تحت عنوان: (الأسرة المسلمة والتحديات المعاصرة) بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وذلك في فندق مداريم كراون (الخيمة الملكية) - أكد أن العصر الحالي يشهد تحدياً كبيراً، وأنه لا بد من مخاطبة القلب ورعاية التربية الصالحة قبل مخاطبة العقول، وقال معاليه: إنه من السهل أن نذهب هنا وهناك في جدل فكري وفي عطاءات فكرية لا نهاية لها، لأن العقل كالموارد المائية المختلفة إذا نزحت زادت، والقلب مع العقل في صراع، ومن أخذ بالقلب والعقل جميعاً فقد أخذ بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك قال علماؤنا: "إن العقل الصريح متفق مع النقل الصحيح"، يعني أن مقتضى العقل الصريح يوافق السنة ومقتضى الشرع. وأبان أننا في هذا الزمن نرى تغيراً كبيراً في المسارات الدعوية، ونرى تغيراً كبيراً في القناعات الشرعية، ونرى أيضاً تقديماً لاجتهادات ومصالح هي في الحقيقة ليست اجتهادات مرضيّة ولا مصالح مرعيّة، نرى في هذا الزمن تغيراً في رعاية الاجتهاد الجماعي من أهل العلم والتشاور والدعوة، واتجاه إلى الفكر الشخصي والبناء الفكري بحسب اجتهاد قائله، ولذلك تنوعت الأقوال، وتنوعت الأفكار، وتنوعت الأطروحات، مشيراً معاليه إلى أن هذا في الحقيقة يقود إلى عثرة ليست بالهينة، عثرة تؤدي إلى غياب النظرة إلى المستقبل، وعثرة تؤدي إلى فرح الأعداء وفرح الاتجاهات غير الإسلامية بهذا الخلل، وأيضاً يؤدي هذا في النهاية وأعني تعدد الاجتهادات الفردية دون نظر عميق جماعي إلى غياب المشروع. وحذر معاليه من أن غياب النظرة إلى المستقبل عن الخاصة وعن العلماء وعن الدعاة في زمن فيه التحديات فإن الدعوة ستنحسر، وإن قوة الإسلام ستضعف، وإن قوة أهله سيصيبها ما يصيبها، وقال: لذلك ينبغي لنا أن ندور حول المشروع، المشروع الإسلامي الدعوي الحضاري، الذي لا يتنكر للواقع وحاجات الناس ويستطلع مرادات الشارع فيستطلع المستقبل، لقد علمتنا التجربة أن الأفكار التي قامت على تشدد لا تستمر، وعلمتنا التجربة أن الأفكار التي قامت على غلو تفرز الغلو، ولا يلبث الفكر أن يندثر مع الزمن، ولذلك فإن استمرار الإسلام وقوة الإسلام التي نشهدها إلى هذا القرن ناتجة عن تيار كبير في الأمة لا تمثله فئة ولا تمثله طائفة ولا يمثله أناس بأعيانهم، هذا التيار الكبير في الأمة منذ قرون إلى الآن هو الذي يتسم بخصلتين، الأولى: الوسطية وتعني عدم التشدد وعدم الجفاء والتنازلات غير المحمودة، ويتسم بالخصلة الثانية وهي التجديد، فإذا ما نظرنا في مشروعنا القادم إلى ضرورة الاعتدال وضرورة التجديد فإننا نحفظ للتيار العام دينه وهيبته وقوته. وشدد معاليه على أن الدعوات إذا قامت فإنما تقوم للإصلاح، لا تقوم لخدمة شخص قادها، أو لفئة تحمست لتلك الفكرة في فترة ما، فالدعوات في التاريخ الإسلامي إنما تقوم في حقيقتها وصوابها على حرصها على الدين، وعلى الإسلام دون عصبية ودون محدودية ودون إطارية، لذلك كلما انفتح الخاصة على العامة كلما كانت الدعوة أشمل، وكلما كان المشروع الدعوي الإسلامي الحضاري أنجح، وكلما ابتعدنا عن الفردية وذهبنا إلى النظرة التشاورية الجماعية بين مؤسسات مختلفة نتجاوز فيها ما يكون قد قيل، محذراً معاليه من أن نعمل في معزل عن الدولة، أو أن يعمل الدعاة في معزل عن دعاة آخرين، أو أن يعمل التيار الإسلامي في معزل عن الحكومة، أو أن تعمل الحكومة في معزل عن المؤثرين، فإن الذي يريد حقيقة المصلحة وحقيقة نشر هذه الديانة والاستمساك بذلك متخلصاً من حظوظ النفس التي يحظرها الشيطان للإنسان كل حين، لا يجد أمامه إلا حتمية الحرص على وجود مشروع دعوي إسلامي حضاري يقوم به العلماء والدعاة في هذه الأمة. واختتم آل الشيخ كلمته بالتأكيد على أهمية وجود برامج دعوية مختلفة سواء كانت إعلامية أو تربوية أو تعليمية مهمة، ولكن من المهم أن تكون جهودنا جميعاً ضمن مشروعٍ ننظر فيه إلى مستقبل مملوءٍ بالتحديات. بعد ذلك قام رئيس تحرير مجلة البيان أحمد الصويان بتسليم معاليه درعاً تذكارياً تقديراً لرعايته وافتتاحه الندوة، وقد شملت فعاليات الندوات عقد ثلاث جلسات، شارك فيها عدد من العلماء والدعاة وطلبة العلم.