أرقام مهولة تنفقها الحكومة على المشاريع الوطنية، لا جدال في ذلك، بعض تلك الأرقام أنا شخصيا لا أستطيع قراءته كرقم، تختلط عليّ آحاده وعشراته وبلايينه، ما لم يكن مكتوبا بالأحرف، ومع هذا تظل معظم هذه المشاريع دون المستوى المطلوب، لا من حيث جودة التنفيذ ولا من حيث سرعة الانجاز!. طرق جديدة ما يكاد يرفع المقاول معداته منها حتى تتحول بين عشية وضحاها إلى درج، وكبارً، وجسوٌر لا يزيد طولها على المائتي متر تبقى كالبيت الوقف لعامين وثلاثة رهينة التحويلات ولخبطة حركة المرور، فيما يمكن إنجازها خلال أشهر قياسا بحجم اعتماداتها، ومدارس حديثة تستقبل طلابها للمرة الأولى وتستقبل معهم أول (طشة) مطر داخل الفصول وكأنها بلا أسقف أو أن أسقفها من الورق، مساجد ومبان عامة تتحول دهاناتها إلى قشرة متفسخة خلال العام الأول من اكتمال بنائها، ويتساقط رخامها كالسن المخلوعة قبل أن يفرح بها الناس. المهندسون بكل تخصصاتهم، والمعماريون والمدنيون والإنشائيون يُحيلون الأمر بسرعة إلى عامل المناخ، وهي إحالة هروبية لا تصمد أمام الواقع الذي أثبت أنه حتى مباني الطين رغم هشاشة مونتها كانت أكثر صموداً من منجزاتهم.. وهاهي تقف بيننا منذ مئات السنين شاهداً عليهم لا لهم. إذن أين تكمن العلة؟. البعض ممن حاورتهم في هذا الصدد يعتقد أن المشكلة تتصل بما يُسمى بعقود الباطن والتي أخذت للأسف في الآونة الأخيرة شرعية لاشرعية، حيث يتنعم المقاول بالعقد الأساس بملايينه وملياراته بلا قطرة عرق، ويحيل التنفيذ إلى مقاول الباطن الذي يقبل بالسعر الأقل، في حين يرى آخرون أن العلة تكمن في نظام المناقصات نفسه، والذي يضع معيار السعر الأقل هو المعيار الأساس للمفاضلة، وليس قدرة المقاول وكفاءة فنيّيه. أنا من جانبي وكلما شاهدتُ مثل هذه المشاريع تذكرت رواية أرض السواد لمنيف وحكاية الباشا داود وطباخه مصطفى الأردبلي حينما كذب هذا الأخير على سيده حول عدد الخراف التي يذبحها يوميا، وأنها تنقص ثلاثة رؤوس عمّا ادعاه.. حيث قال الباشا: يجوز بزيادة مراقبة الغنم.. نوفر كم رأس.. لكن الرأس الكبير يكون عندها في خطر!!، فهل نراقب الغنم في مشاريعنا من أجل عيون الوطن.. حتى لا يضيع هذا الإنفاق الضخم سدى، خاصة في مثل هذا الوقت الذي يزيد فيه عدد المشاريع عن طاقة المقاولين ظاهرهم وباطنهم؟.