لم يكن النقاش مع رفيقتي العائدة من عطلة صغيرة قضتها مسافرة عند بعض القريبات متوقعا خاصة وإننا كنا في السيارة نعبر طرقاً مزدحمة بقينا نشكوها على مدى الشهور الماضية. "هل ارتحتِ قليلا في إجازتكِ من ضغط العمل؟" سألتها رغم ملامحها المتعبة. وقالت متوقعة السؤال "نعم ولا...أعني أن التغير جميل ولكن ظروف السفر هذه الأيام أصبحت متعبة ولم تعد مريحة" اتفقت معها مازحة "تحتاجين إجازة إذن لمحو تعب إجازة السفر؟" ابتسمت فقلت مشجعة "ها هي عطلة نهاية الأسبوع على الأبواب هل..."وقاطعني تعبيرها المتسائل فجأة عندما التفتت تجاهي ربما لأن أغلبنا لم يعد يتفق على مفهوم منعش على كيفية قضائها وتحولت عطلة اليومين إلى اعتياد مهدر في العرف الاجتماعي لا احد يناقشه. "تعرفين كيف نقضيها..ليس هناك جديد"قالت في هدوء ثم أردفت "البركة في المقاهي والمطاعم والمولات والزيارات والمناسبات الاجتماعية إنها تملأ كل نهايات الأسابيع..شكرا لا نحتاج المزيد" "ولكن الراحة ليست كل هذه الأشياء فقط إن تكرار ما تذكرينه مرهق نحن نحتاج الانعتاق من كل هذا الضجيج أحيانا"ثم أمطرتها بدوري ببعض التساؤلات لعلها تحتوي جميع تطلعاتنا. "فكري في الهدوء الجميل آلا تودين قضاء بعض الوقت عند البحر مرة في الشهر على الأقل؟ قالت "بلى" "تشتمين اليود وهواء البحر دون تلوث بيئي أو غيره؟" "بلى بلى أتمنى ذلك فعلا" "تمشين مسافات طويلة؟" "أحيانا" "ويكون عندك وقت للنوم المريح الكافي ويحوط المكان الأشجار والنباتات وربما تأتي الطيور لتغني عند الفجر لتوقظك؟ منحتني ابتسامة شاسعة. "انه التغير الفعلي من رتابة الأيام أو ركضها.. تخيلي معك كتاب تحبين قراءته وسكون عند التأمل لا يقطعه إلا أصوات ناس آخرين يمارسون حياتهم اليومية بتفاعل طبيعي وأطفال يمرحون ورائحة شواء وربما تلاطم أمواج البحر في الشتاء" ضحكت متفاعلة "أنت تسرقينني الآن لماذا هذه المؤامرة"؟ "لأننا عندما نتعب نحتاج الاستراحة والحياة اليومية بالمفهوم العصري أصبحت ركضا وهرولة مستمرة ،سهرا وعدم تنظيم غذائي أو ترفيهي خاصة عند الأجيال النامية استهلاك للطاقة البشرية دون مبرر وهي حالة لا تعالج إرهاقنا النفسي أو الجسدي كما ترين، على الأقل عندها سوف نعود لروتين حياتنا بشوق وعندما يأخذنا ترفيه العصر ثانية لن نتذمر أو نشكو تراكمات الأفكار والتفاعلات...مثاليا سوف نبقى بنشاطنا الأمثل في كلا الحالتين" بعد حوارنا وجدت انني أعود بتأمل مشاهد مطبوعة في أفلام زمن قديم عندما كان جمهور المعازيم في حفلة منزلية يتحلق حول أغنية لمطربة كأسمهان مثلا أو غيرها ليبقوا ينصتون بتركيز يبقيهم ربما فيما يطلق عليه العلماء الآن حالة تشبه الاسترخاء حيث ينحصر التركيز موحدا لفترة طويلة مما يجعلنا نتساءل هل كان الناس اهدأ لا يعانون من ظاهرة التوتر العصرية لأنهم كانوا يجدون ما يبقيهم ساكنين بعيدا عن الضجيج سواء كان ذلك من خلال الإنصات للغناء أو الاندماج أكثر مع الطبيعة والالتئام معها بعيدا عن مصادر الإلهاء؟