قالت تحدثني عن مغامرة الخروج من المنزل دون سائق خاص: " تصوري اليوم فقط أدركت كم هو حيوي وهام عمل السائق لدينا" " توك تدرين؟" " بلى أعرف، غير أن تجربة المشاوير تزيد من تراكم معارفنا الحياتية... ألا توافقين؟" " وماذا حدث تحديدا لحدوث هذه المعرفة المستجدة.. ؟ قالت.." طلبنا سيارة ليموزين..غصب والله، ثم انتظرنا ساعة كاملة قبل ان يشرف. وعندما تحركنا طار بنا يسابق الهواء لدرجة أنني رددت دعاء السفر في سري أكثر من مرة! تعرفين زحمة الشوارع، وفي أثناء الطريق كان هاتفه الجوال يدق باستمرار فيتناوله ويطلع على الرقم ثم يقفل الخط في منتهى الهدوء. وفكرت ما شاء الله صار السواقين عندنا يلتزمون بالقوانين، قبل ان توضح قريبتي بأن من يدق هم طلاب أو طالبات ينتظرونه بالمدرسة، وانه هو - أي السائق- ليس مهتما" " وكيف عرفتم بأن من يطلبه طلاب في المدارس." قالت "أخبر قريبتي بالأمر في البداية كي لا نتأخر أو ربما كان طامعا بتعرفة أكبر" قلت " يبدو أن من وكله بتوصيل أبنائه او بناته للمدرسة كان يثق فيه وأجزل له العطاء غير انه من الواضح أن ولاء بعض هؤلاء هو للمال وليس للأشخاص او المبدأ" " أكيد غير أنني حزنت على وضع أبناء وبنات يتركون خارج أبواب مدرستهم في حر الظهيرة لانه ليس هناك أحد يقلهم للبيت، يكررون محاولة الاتصال بسائق من المفترض ان يأتيهم في موعد متفق عليه فيهمل ولا يلتزم بأداء واجبه تجاههم، ولا يتنازل بالرد على اتصالاتهم او إيضاح موقفه" وتفاعلت مع الموقف معها بالطبع وتخيلت أمهم في حالة حيرة وقهر لان الأبناء أو ربما البنات معلقون عند بوابة مدرسة بعد عناء يوم دراسي طويل وعليهم تدبير أمر عودتهم بأنفسهم والبحث عن سيارة أجرة بالطريق رغم أنهم قد يكونون صغارا بالعمر، أيتام او بلا عائل، وكل الذي يحلمون به هو طريق عودة آمنة وميسرة لبيتهم.. وهذا حقهم الإنساني لاشك. السؤال المنطقي هو: لماذا نعاني كمجتمع من هذه الظاهرة ؟ ********* على الوجه الآخر تحدثني أخرى عن وضع سائقهم الخاص بحكاية طريفة. وقد تعلمنا بعض الشيء عن اعتيادنا الحياتي من خلال تجربته. تقول أن لديهم سائقا خاصا منذ سنوات طويلة، ورغم عصبيته أحيانا، إلا انه كان أمينا ويؤدي ما عليه من مهمات ويخدم الجميع. وجاء وقت كبر الصغار وسافروا لاكمال تعليمهم، وتزوجت الابنة وبقيت الجدة المسنة التي لا تخرج إلا قليلا ربما للطبيب أو السوق كل أسبوعين أو أكثر. والكفيل يسافر في مهمات عمل فلا يبقى للسائق شيء يصنعه. فطلب من كفيله ان يسمح له بخدمة أعضاء العائلة الممتدة وبعض العاملات من الجيران في إيصالهم للعمل أو المدارس، ووافق الكفيل من منطلق مكافأته على حسن خدمته وسنوات عمله الطويلة معهم على ان يؤدي ما عليه للبيت أولا. وتضيف انه وفي خلال ثمانية شهور أو اقل تغيرت أحوال السائق وبدت آثار النعمة عليه. كيف يعني؟ أبدا.. زاد وزنه كثيرا وجاء يشكو أمراضا لم يكن يعاني منها من قبل مثل الضغط والسكر والكليسترول ويسأل العاملة عن علاجات بديلة الى جانب الأدوية التي يصرفها له الدكتور.. ولم أتملك نفسي من تأمل حكايتها والتساؤل....هل لكثرة الطعام وقلة النشاط علاقة؟ أليس هذا ما يقوله لنا الأطباء في كل مناسبة؟ وهل نقتنع أكثر أن رأينا تجارب الغير ؟ ربما علي ان أقول لكم الآن كما يقول اخواننا المصريون.. فتكم بعافية..