لا أجيد كتابة الرثاء، أشعر دوما أن المفردات تظل أقل من أن تعبر عن حجم الفقد.. كثيرا ما صدمتني العبارات التي أكتبها في هذا الباب.. أشعر أنها محايدة إلى حدّ بعيد، ولا تشبه أحاسيسي، ولكن كيف تكون الحال حين يكون الفقد بحجم غياب رجل بقافلة رجال كعبدالله الجفري، هذا الأديب والقاص والروائي وحتى الشاعر، بل الأديب حرفا وخلقا وحبا وتهذيبا وسلوكا. لا أدّعي أنني أحد خلصائه، ولكن وبرغم تلك المرات القليلة التي التقيته أو تواصلت معه فيها فإن له في عنقي دين الكبير الذي ينحني بتواضع الكبار حتى لتلك الأقلام الصغيرة، وهي شهادة لن تضيف لأبي وجدي، قدر ما هي كلمة وفاء لمن يستحقها. كنتُ أكتب للتو في زاوية (غرابيل) حينما أسال من جبيني عبد الله الجفري العرق البارد في لفتة رائعة في إحدى فقرات عموده الصحفي الشهير (ظلال) مثنيا على طريقتي في الكتابة، كنتُ وقتها كأيّ كاتب مبتدئ يختال زهواً من إطراء أحد والديه، وإن كان يعلم أن (القرد في عين أمه غزال)، فكيف هي الحال وهذا الإطراء يصل بلا موعد من قامة ثقافية بوزن الأستاذ الجفري.. أتذكر أنني فتشتُ عن رقم هاتفه، واستحضرت ورقة وقلما، وأنفقت كل ذلك المساء في انتقاء أفضل العبارات التي تضعني في مهاتفتي له عند حسن ظنه الذي أريد أن أحافظ عليه كزجاجة عطر شفافة قابلة للكسر.. حتى عبارات الترحيب كتبتها، ولكن وبمجرد أن تبادلتُ معه التحية نسيتُ ورقتي وعباراتي المنتقاة بين نسائم رقته وكريم خصاله. في أواخر الثمانينيات ربما، لا أتذكر التاريخ جيدا، جاء الأستاذ الجفري إلى حائل مع كوكبة من رجال الفكر والثقافة والأعمال يمثلون خريجي مدرسة الرحمانية في مكةالمكرمة في زيارة خاصة للمنطقة، من بينهم أبو الشيماء الأستاذ محمد سعيد طيب، والأستاذ عبدالرحمن المنيعي وآخرون، وكنتُ ثالث ثلاثة كلفهم الأمير مقرن مرافقة الضيوف وهم المرحوم عبد العزيز السيف والأخ مبارك الرباح وأنا، وقد ترك أبو وجدي لنفسه مكانا عليّا في قلوب كل من قابله وأنا أحدهم منذ ذلك الوقت. وحينما كتبتُ ذات مرّة عن قيمة الوفاء واستشهدتُ بكتابه عن أستاذه محمد حسين زيدان (زوربا القرن العشرين)، وكتاب الأستاذ الصديق حمد القاضي عن أستاذه الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ.. قال لي مستعيرا كلمة شيخه الزيدان: يا فهد (نحن أمة دفانة) فاحرص على الوفاء لأستاذك وأستاذنا جميعا فهد العريفي فالوفاء لا يزال يتيما في أوساطنا !.. فهل يشح الوفاء عن رجل لوّن الساحة بأخضر الحب والإبداع ؟، رحم الله أبا وجدي حياّ وميتا وحيّا في قلوبنا إلى الأبد.