المذيع الفرنسي يشير إلى أن سائقاً عربياً كان السبب في التوترات الأخيرة في عكا بين العرب واليهود الذين كانوا يعيشون في وئام لا مثيل له. سمعته في نشرة أخبار الرابعة صباحاً. وأنا على مشارف الاستيقاظ. لم أتمكن من احتمال هذه الصياغة للتاريخ نهضت. تذكرت أستاذي محمد أركون وهو يعلمنا كتابة التاريخ وقراءته. التاريخ بوصفه علماً وليس ثرثرة. كان يقول "ليس هناك يوم تاريخي" هناك أيام قبله هي التي صنعته. وليس إذن هناك رجل تاريخي فهناك دائماً رجال ونساء قبله أنجبوه. والأستاذ أركون هنا يستقي منهجيته هذه من أستاذ التاريخ الحديث فيرناند بروديل، ذلك الذي لم تعترف به فرنسا إلا بعد أن انحنت أمام إنجازه كبريات الجامعات في أمريكا والعالم. سمعتُ المذيع الفرنسي الذي سمّم صباحي. وأيقظ فيّ مسألة التاريخ وأسئلته. كان المذيع يختصر التوترات بما أحدثه السيد توفيق الجمل - وهذا اسم السائق العربي الذي دخل المدينة وهو رافع صوت المسجّل مما أزعج المقيمين اليهود في واحد من أعيادهم. تذكرت كيف يختزل التاريخ. وكيف يحتكره بعض الرجال. إذ بدلاً من أن يصنعوا التاريخ، بدلاً من أن يدخلوا التاريخ كباراً. يدخلونه وهم صغار باحتكاره وكتابته بأيديهم "النظيفة تماماً" دون أن يدركوا أنه ما من أحد حاول احتكار التاريخ إلا وجرفه الأخير إلى مجاريه. أغلقت المذياع وأنا أرثي للمستمع الفرنسي الذي يتلقى جرعات مماثلة يومية من كل وسائل إعلامه.