دائماً ما أتوقف ملياً.. أمام صور جرّافات اللجان المشكلة من البلديات والجهات ذات العلاقة.. حينما تنطلق بقسوة لا تلوي على شيء.. في هدم المساكن المخالفة.. ولا أزال حتى اللحظة أحياناً.. أعيد الذاكرة مرة تلو الأخرى كجهاز فيديو بطيء الحركة.. أمام عشرات الحالات.. من الألم.. والاعتداء على أعضاء لجنة التعديات والإزالة..وصراخ الأسر التي تعيش تحت وطأة الفقر وبؤس الحاجة.. تلك التي ترى معيلها.. يجازف في سبيل إبعاد كائنات آلية عن.. بيته.. الوحيد..! زاد هذا الألم.. الذي تعددت مجساته في عقلي.. التعميم الصادر عن وزارة العدل إلى كافة المحاكم في مختلف مناطق المملكة (بعدم سماع اي دعاوى ضد لجان إزالة التعديات).. والتسبيب القانوني الضليع الذي بني عليه هذا المنع.. (لأن هذه اللجان غير مالكة ولا وكيلة لمالك.. وإنما هي لجان حكومية مكلفة بمهام عمل وتؤدي واجبها المكلفة به).. طبعاً لم تتم الإشارة إلى اختصاص المحكمة الإدارية نوعياً بهذا الطعن..! محاربة مخالفات التعمير.. تمثّل لا شك رغبة لأي دولة في العمل على ترسيخ ثقافة التغيير من سيئ إلى أحسن أو من حسن إلى أحسن.. على اعتبار أن أي برنامج تنموي للدولة لابد وأن يكون وعاؤه القانوني ناجحاً حيث هو المنطلق الأول لكل ما قد ينصب عليه من استثمارات ومشاريع اقتصادية واجتماعية.. وبالمقابل فإن أي لجنة إدارية يجب ألاّ تتعدى صلاحياتها بحال.. صلاحيات القضاء.. والذي يجمع بين استقلالية الحكم عن أي تدخلات.. وطمأنينة قراراته لكل الأطراف..! في التجربة المصرية كما ورد في تعميم دقيق جداً لوزارة المالية بالتضامن مع وزارة العدل إعمالاً لقانون وضع اليد.. شرع المنظّم المصري في تشكيل لجان لحصر وتقدير الأراضي والعقارات العامة المتعدى عليها.. تمهيداً لبدء إجراءات (قنين أوضاع واضعي اليد) على تلك الأراضي والعقارات في ضوء تنفيذ أحكام القانون الحديث 148لسنة 2006م والذي أجاز للجهات الحكومية البيع أو تأجير تلك الأراضي والعقارات أو الترخيص لواضعي اليد بالانتفاع بهذه الأراضي والعقارات.. بشرط أن تكون تلك الأراضي والعقارات مستغلة بالفعل قبل تاريخ صدور القانون.. وأن تكون مستغلة في الأغراض السكنية لواضع اليد أو أسرته.. أو في إقامة مشروعات صغيرة أو متناهية الصغر.. مع مراعاة الدولة للبعد الاجتماعي والاقتصادي لواضعي اليد.. حيث سيتم النظر في تاريخ وضع اليد ومدته وطبيعة استغلال العقار والعائد منه وموقع العقار ومدى اتصاله بالمرافق العامة. ليس هذا وحسب بل إن السداد ميسّر بواقع 30% من قيمة الأرض أو العقار خلال شهر من إخطار واضع اليد بقرار لجنة البت النهائي الخاضع لسلطة القضاء.. ثم سداد الباقي على دفعات يستحق عنها فوائد تقسيط بالسعر المعلن بالبنك المركزي المصري.. بحيث لا يتم نقل الملكية إلا بعد سداد كامل القيمة للجهات الإدارية المختصة. هل رأيتم عدل الحلول الخاضعة لتقدير علاقة الدولة بالفرد.. عندما تكون مشمولةً بحقه في الطعن على قرارات لجنة.. تتسامى على سلطة القضاء..؟! باحث في أنظمة العقار