"رب ضارة نافعة" قد ينطبق هذا المثل العربي على حال السعوديين مع الأزمة المالية التي يشهدها العالم حالياً، التي وإن كلفتهم خسائر باهظة في سوق المال المحلية، إلا انها قد تساهم في تحسين الوضع المعيشي لهم عبر خفض نسبة التضخم نحو 15%. ففي الوقت الذي تسببت فيه الأزمة المالية بانهيار سوق الأسهم وخسارة مؤشره ما يزيد عن 1400نقطة في أيام معدودة، يرى اقتصاديون انها قد تؤثر بشكل غير مباشر في تخفيض أسعار السلع الأساسية وايجارات العقارات. وأشار هؤلاء إلى عدة عوامل يستندون فيها إلى ذلك منها انخفاض القوة الشرائية لدى الأمريكيين جراء الأزمة والذين يستهلكون 30% من الانتاج العالمي، ما قد يقلل من استهلاكهم ويوازن بين العرض والطلب على المنتجات وبالتالي تقل أسعارها، اضافة إلى تسبب هذه الأزمة في انهيار لأسعار النفط التي تسببت في زيادة نسبة التضخم المستورد، نتيجة غلاء أسعار الوقود وتكاليف النقل. وقال الدكتور سالم باعجاجة استاذ الاقتصاد والمحاسبة في جامعة الطائف، ان الأزمة المالية التي تعيشها أسواق المال العالمية في وقتنا الحاضر، قد تعود بتأثيرات ايجابية على المستهلكين السعوديين ومن ذلك خفض معدلات التضخم نحو 15% مع مطلع عام 2009.وأوضح باعجاجة الذي كان يتحدث مع "الرياض" هاتفياً ان معدل التضخم الذي يبلغ بحسب آخر احصائية رسمية نحو 11%، مرشح لتسجيل انخفاض كبير مطلع العام المقبل، نتيجة انخفاض أسعار السلع الأساسية للمستهلك، وايجارات العقارات وأجور النقل وأسعار الوقود، وانتفاء ظاهرة التضخم المستورد متأثرة جميعها بالأزمة المالية العالمية. وأضاف: أسعار السلع والخدمات في الأسواق المحلية ستنخفض في المستقبل القريب، وذلك لأن معظم هذه السلع مستوردة من أمريكا وأوروبا اللتين يعيش اقتصادهما أوضاعاً مأساوية، وبالتالي قد تبيع تلك الدول منتجاتها بأسعار أقل نتيجة بحثها عن السيولة النقدية، كما ان هذه الأزمة ستوفر السلع بكميات كبيرة ما يرفع حجم المعروض أمام الطلب وبالتالي تهبط الأسعار. ولفت باعجاجة إلى ان المستهلك السعودي بدأ يلحظ الأثر الايجابي للأزمة المالية العالمية ومن ذلك ارتفاع قيمة التحويلات الخارجية بالدولار حيث تصل حالياً 3.78ريال للدولار الواحد، ما يدلل على ارتفاع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى ومنها الريال. وزاد: "رأينا كيف انخفضت أسعار الحديد هذه الأيام نتيجة توفر المعروض بكميات كبيرة بعد اجراءات الحكومة التي قضت بالحد من تصديره، وهذا ما قد تفعله الأزمة المالية بالكثير من السلع فستوفرها بكميات كبيرة ما يقلل قيمتها". وأوضح استاذ الاقتصاد والمحاسبة في جامعة الطائف، ان أسعار النفط انهارت وسجلت انخفاضاً بلغ معدله 40% في شهر واحد، فبعد أن كانت 140دولاراً للبرميل أصبحت الآن 77دولاراً، الأمر الذي من شأنه خفض أسعار الوقود وتخفيض أجور النقل حول العالم وتكاليف مواد الخام، ما يعد عاملاً مؤثراً أيضاً في توفير السلع بأسعار مناسبة. من جهتهم قال اقتصاديون خليجيون ان غالبية سكان دول الخليج يشكون منذ خمس سنوات تقريباً من غلاء كبير، وارتفاع في أسعار العقارات، وبما تلجم هذه الأزمة العالمية التضخم، وتدفع الاقتصاد الخليجي للسير بثبات بدلاً من القفزات الحالية. ودعوا المسؤولين عن ادارة الاقتصاد في دول الخليج إلى اعتبار ما جرى في الغرب درساً، لابد من الاستفادة منه، وتفادي مسبباته، حتى لا يتكرر في دول المنطقة، مؤكدين ان دول الخليج قادرة على تجاوز الأزمة الحالية، بفضل الايرادات النفطية، وفوائض الموازين الحكومية التي تجاوزت 700مليار دولار خلال الأعوام الخمسة الماضية. وأوضحوا أن الأزمة المالية العالمية ليست كلها شرا، وقد يكون لها تأثير ايجابي يتمثل في وضع الاقتصاد الخليجي على المسار الصحيح، بدلاً من القفزات الكبيرة التي يعيشها الأعوام الأخيرة، مبينين ان معدل النمو الاقتصادي في دول الخليج يتراوح حالياً ما بين 12و25%، وفي ظل الأوضاع الجديدة يمكن ان يتغير وضعه، وينمو بخطى ثابتة هادئة، تحميه من أي أزمات مستقبلية. وأشاروا إلى ان التضخم تزايد بمعدلات كبيرة في الدول الخليجية نتيجة الطفرة الاقتصادية التي تشهدها منذ سنوات، وتقدر نسبة التضخم في هذه الدول بما يتراوح بين 10و14%، وقد تتسبب الأزمة العالمية في خفض نسبته إلى 5%، كما كانت عليه قبل خمس سنوات، معتبرين ان ذلك يصب في مصلحة المستهلك الذي سيجد انخفاضاً في أسعار السلع الاستهلاكية وأسعار الوقود، وتذاكر السفر بالطيران. واعتبروا ان الأزمة المالية ستتسبب في خفض أسعار مواد البناء، ما يؤدي في النهاية لانخفاض أسعار العقارات التي تشهد تزايداً جنونياً في دول الخليج، منوهين إلى انه مع انخفاض سعر النفط تنخفض بالتبعية تكاليف النقل والبناء وأسعار السلع الاستهلاكية، وهو ما يصب في مصلحة المستهلك.