صُنّفت التراجعات الأخيرة التي ضربت سوق الأسهم السعودي بأنها الانهيار الأقسى والأعنف على المتداولين مقارنة بالانهيارات السابقة، بعد أن تزامنت مع جملة من الفواتير المرحلية مستحقة الدفع، والتي يعاني منها الموظفون عادة في هذه الفترة بغض النظر عن تراجع السوق، في ظل التصاعد القوي لأسعار السلع والتضخم الذي أنهك جيوب المواطنين. إلا أنه في هذا التوقيت تكالبت الظروف ليأتي الانخفاض الحاد لمؤشر السوق وشركاته ناثرا الملح على الجروح، والذي جعل أحلام المتداول في زيادة الدخل تتبخر في وقت كان ينتظر من سوق الأسهم تنمية مدخراته ليكون رافدا لمنسوب الراتب في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة، ولسان حاله يقول "ليتني ما رافقت سهما أو ركبت طموحات الثراء". وكانت بداية التراجعات في السوق مع إطلالة أولى الغرامات المقيدة للترفيه بإجازة الصيف، ليستمر نزيف المؤشر العام ومعه محافظ المتداولين، حتى حلّت فواتير شهر رمضان المبارك، ثم انهالت متطلبات عيد الفطر، ليستقبل الرصيد بعدها مناسبات الأفراح، لتختم قصة حساب المدين بالتزامات العودة للمدارس مع قرب انتهاء الإجازة الصيفية. كما أن هذه الفترة والممتدة بين العيد حتى نهاية شوال تمتاز دائما بجفاف السيولة لدى الموظفين، الذين تلقفوا رواتبهم باكرا خلال شهر رمضان، والتي استهلكت لتسديد الفواتير السابقة، ليصارع الموظف شح الأموال في رصيده، منتظرا بلهفة موعد الراتب الشهري، أو لعل سوق الأسهم تجود ولو برأس ماله بعيد المنال. وهنا يقول أحد المتداولين، فضل عدم ذكر اسمه، أنه ولله الحمد تمكن من ضبط مصروفاته بعد خسارته في سوق الأسهم، وذلك بالتخلي عن فكرة السفر أو الترفيه خصوصا بعد أن وصلت قيمة محفظته إلى مستويات لا تؤمن له القدرة على الخروج من المدينة التي يعيش فيها. وذكر أنه استبدل فكرة السفر بالبقاء وأولاده "مع منظر النجوم الجميل في عنان السماء" خلال الإجازة، ليتلافى الضغط المعيشي الذي يتولد مع اجتماع الالتزامات الاجتماعية في آن واحد، لاسيما وأن سوق الأسهم استمرت بالنزيف، غير آبهة بإطلاق نداءات الاستجداء. بينما يذكر آخر من المساهمين، أن السوق باغت المحافظ بالانزلاق السعري الحاد، الأمر الذي ساهم في بعثرة أوراق المتداولين، التي كانت مرتبة لقضاء لوازم الحياة، مع تواتر المناسبات الخاصة، دون أن يكون للمتداولين مع تتالي التراجعات أي فرصة في تقييم الوضع الحالي والخروج بأقل الخسائر. وأكد أن توقف التداول في سوق الأسهم مع إجازة العيد، أعطى المتداولين فرصة لالتقاط أنفاسهم، والتفرغ لإيجاد الحلول المناسبة لتفادي العجز المالي الذي اكتسح أرصدتهم، كما أصبحت المناسبات المفرحة في السابق لا تمثل إلا رمزا يثقل كاهل عائل الأسرة مع تردي الوضع المادي الخاص. ويستمر المساهم بوصف السوق، بأنه أصبح بمثابة محرقة أموال تآكلت معه مدخرات الأغلبية في سوق الأسهم، ولم تنقذ الاكتتابات المتداول من الأزمة التي يمر بها، خصوصا وأنها باتت تحت أسعار الطرح، مفيدا أن الغالبية من متعاطي الأسهم، أخذوا بالتفكير جديا بالتخلي عن علاقاتهم مع السوق، لا سيما أن تقلبات المؤشر العام الحادة مثلت عاملا منفرا لهم، ودافعا قويا للخروج من معمعة سوق المال جراء فقدان الثقة بقدرته على التعافي من وعكات الانهيار.