في مثل هذا الوقت قبل عشرة أعوام نشرت منظمة الأغذية العالمية تقريرا عن الحالة الغذائية في 177بلداً حول العالم . وجاء في التقرير - الذي عُد الأول من نوعه - ان الدول الصناعية تحظى بأعلى نسبة من الاستهلاك الغذائي تقدر ب 3340كالوري للفرد، في حين لا يحظى الفرد في الدول الفقيرة الا ب 2060كالوري - وفي الدول النامية ب 2850كالوري.. ... والكالوري (او السُّعر الحراري) هو وحدة الطاقة المتحصلة من الغذاء التي يحتاجها جسم الإنسان لتأدية وظائفه . وفي المتوسط يحتاج الرجل العادي إلى 2700كالوري في اليوم والمرأة إلى 2500كالوري - وما يفيض يتحول إلى دهون تُختزن في الجسم ! ... واليوم لا يبدو أن الوضع تغير كثيرا (باستثناء ارتفاع مستوى الفرد في الصين) فمازالت أوربا في تخمتها ومازالت أفريقيا على فقرها - ومازالت الدول العربية تستورد أكبر نسبة من طعامها من الخارج ! وبالنسبة للشرق الاوسط تأتي تركيا في المركز الأول من حيث الاستهلاك الفردي ب 3560كالوري لكل مواطن، تليها قبرص ب 3370كالوري، ثم الإمارات ب 3330كالوري، ثم سوريا ب 3300ومصر ولبنان ب 3280وتونس ب 3190ثم المغرب 3180وليبيا 3140والجزائر والكويت 3020وايران 2880ثم الأردن والسعودية .. 2730.وأخيرا أفغانستان ب 1710كالوري !!! ... أما على مستوى العالم فتأتي ايرلندا في المركز الأول من حيث استهلاك الفرد ب 3952كالوري، تليها بلجيكا، ولوكسمبورج ب 3925كالوري، فقبرص 3775، فألمانيا 3710، ثم بلغاريا 3695، فأمريكا 3642، ثم الدنمرك 3639، ثم هنغاريا 3608، ثم فرنسا 3593.ومن الملاحظ عموما ان جميع الدول الأوربية - ماعدا السويد - يزيد استهلاك الفرد فيها على 3000كالوري في حين لا يتجاوز في بنغلاديش والكونغو 1800كالوري !! @ أما من حيث نوعية الطعام؛ فهناك علاقة طردية بين رفاهية الشعوب واستهلاكها للحوم؛ فالمجتمعات الفقيرة تكتفي بالأغذية النباتية - ليس فقط لأنها أرخص واسهل منالا - بل لان انتاج اللحم ذاته يتطلب تركها (للخروف أو البقرة) مقابل كميات قليلة من اللحم.. واليوم يعد استهلاك اللحوم معيارا يؤخذ به لتمييز فقراء العالم من أغنيائه؛ ففي حين يرتفع استهلاك اللحوم في أمريكا واستراليا عن 100كيلوغرام للفرد (كأعلى معدل في العالم) لا يتجاوز في بنغلادش وغانا 17كيلوغراما في العام ! ... أضف لهذا؛ تتحكم عوامل دينية وثقافية في طبيعة ونوعية الإقبال على اللحوم في العالم؛ ففي الشرق الاوسط مثلا يكاد ينعدم استهلاك لحم الخنزير في حين يبلغ أقصاه في المانيا والنمسا.. وبالنسبة لاستهلاك لحوم الأغنام يأتي النيوزلنديون في المركز الأول عالميا في حين يتفوق الامريكان في استهلاك لحوم البقر - ويكادون لا يعرفون لحم الغنم او الماعز.. أما دول الخليج فتتصدر العالم في استهلاك لحوم الجمال في حين تشتهر فرنسا بلحم الخيل . ورغم ان اليابانيين يستهلكون نسبة متدنية من لحوم المواشي ( 41كيلو فقط) إلا انهم يحتلون المركز الأول عالميا في استهلاك الاسماك وثمار البحر !! ... ولكن.. في المحصلة.. لم تعرف البشرية في تاريخها هذه الوفرة في الطعام والغذاء؛ فرغم تسليمنا بسوء التوزيع وبؤر الفقر والارتفاع العالمي لأسعار الحبوب؛ إلا ان المجاعات (التي كانت شبه دورية في الماضي) اختفت اليوم حتى من اشد البلدان فقرا وبؤسا؛ أما الأجيال الجديدة فأصبحت أكثر طولا وصحة ووزنا (بفضل ازدياد نسبة البروتين في الطعام) ... وكل هذا يثبت أن البشرية دخلت مرحلة غير مسبوقة لم يعد فيها الفقر والتخلف مرتبطاً بالمجاعة وقلة الطعام - خصوصا في ظل الانفتاح الاعلامي وقدرة البوينج على الوصول خلال ساعات !!