رفض مجلس النواب الأميركي أمس الأول خطة إنقاذ المصارف التي تقدمت بها إدارة الرئيس جورج بوش، ونتج عن ذلك تفاقم الأزمة المالية العالمية، ما أدى إلى هبوط حاد في أسواق المال وبورصة نيويورك، بينما تتسارع إعلانات إفلاس مؤسسات مالية في أوروبا. وخلافا لكل التوقعات، صوت 228من النواب الأميركيين مقابل 205، ضد خطة وزير الخزانة هنري بولسون التي تنص على تخصيص 700مليار دولار لامتصاص الديون الهالكة، تلك التي تراكمت لدى المصارف اثر أزمة الرهن العقاري. وجاء هذا التصويت غير المنتظر، غداة اتفاق بين الإدارة وكبار قادة الكونغرس. وقد أدى ذلك إلى تراجع وول ستريت بنسبة 6.71في المائة عند الإقفال أمس الأول، وهي خسارة لم يسبق لها مثيل، حيث نزف مؤشر داو جونز 770نقطة. ويبدو مآل العملية غير واضح، إذ عبر الرئيس بوش عن "خيبة أمله" بقرار النواب وأعلن انه سيعمل "مع أعضاء الكونغرس وقادتهم حول طريقة لتحقيق تقدم". وأضاف انه يتوقع أن يقر البرلمانيون هذه الخطة في نهاية المطاف. من جهتها أكدت الرئيسة الديموقراطية لمجلس النواب نانسي بيلوسي أن الأمر لن يتوقف عند رفض الخطة بل "يجب العمل لتحقيق تقدم". وأما بولسون، فقد أكد بعد لقاء مع بوش في البيت الأبيض "علينا العمل في أسرع وقت ممكن ويجب أن نفعل شيئا ما"، وأضاف أن "الرهان مهم جدا، ولا نسمح لأنفسنا بالفشل"، مشيرا إلى "التوتر في الأسواق المالية، وفي جميع أنحاء العالم". وعلى كل حال، لن يجري تصويت جديد على الخطة قبل الخميس المقبل على الأرجح، لان الكونغرس في عطلة نظريا الثلاثاء والأربعاء بمناسبة رأس السنة اليهودية. وجاء رفض الخطة من جانب جمهوريي الإدارة في الكونغرس الذي تهيمن عليه غالبية ديموقراطية، وقد رفض الخطة اثنان من كل ثلاثة جمهوريين، لأنهم ينتقدون بشدة، خصوصا تدخل الدولة في القطاع الخاص، بشكل لا سابق له في تاريخ الولاياتالمتحدة. وشهد مجلس النواب مناقشات حادة. وقال نائب جمهوري " إننا نقوم بتكريس الملك هنري" بولسون. وقبل التصويت على الخطة، هيمن التشاؤم على الأسواق بعد أسبوعين من أزمة مالية تتخللها إعلانات شبه يومية عن إفلاس مصارف. وقال اندريا كرامر المحلل في مجموعة "شيفرز" إن "تبني هذا القانون يمكن ألا يكون كافيا لإعادة الثقة". وعبر المرشح الديموقراطي للرئاسة الأميركية باراك أوباما عن ثقته في تبني الخطة على الرغم من رفضها أمس الأول، ودعا الأسواق إلى الهدوء. وقال أوباما في تجمع انتخابي في ويستمنستر في ولاية كولورادو، إنه تحدث هاتفيا مع وزير الخزانة هنري بولسون والرئيسة الديموقراطية لمجلس النواب نانسي بيلوسي وأعضاء آخرين في الكونغرس، موضحا أنهم "ما زالوا يحاولون العمل على هذه الخطة". وأضاف بقوله "إنني واثق أننا سنتوصل إلى ذلك، ولكن قد يكون الأمر صعبا قليلا". من جهته، دعا المرشح الجمهوري للرئاسة جون ماكين الكونغرس إلى العودة إلى طاولة المفاوضات. وقد امتدت لائحة ضحايا هذا النقص في السيولة بين المصارف، فبعد إنقاذ المجموعة الهولندية البلجيكية "فورتيس" من قبل القطاع الحكومي، اشترت مجموعة "سيتي غروب" برعاية السلطات الأميركية "واشوفيا" رابع مصرف في الولاياتالمتحدة. وجاء إفلاس واشوفيا بعد إفلاس مصرف ليمان براذزرز وشراء "ميتيوال واشنطن" وميريل لينش وتمويل مجموعة "إيه. آي. جي". وفي بريطانيا التي رأى رئيس حكومتها غوردن براون أن تصويت الكونغرس "مخيب جدا للآمال"، قررت الحكومة تأميم مصرف "برادفورد وبينغلي" والتخلي عن أفضل أصوله للمجموعة الاسبانية سانتاندر. وبعد فورتيس التي أممتها دول البينيلوكس: بلجيكا، هولندا، ولوكسمبورغ، يثير المصرف الفرنسي البلجيكي "ديكسيا" قلقا حيث تراجع سعر سهمه 28.50في المائة، لينزلق إلى 7.20يورو في بورصة باريس. ويفترض أن يكون الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي التقى أمس برؤساء المصارف وشركات التأمين الفرنسية الكبرى للبحث في أوضاع مؤسساتهم. وفي ألمانيا نجت مجموعة "عيبو ري استيت" في اللحظة الأخيرة من الإفلاس بفضل قرض بقيمة 35مليار يورو تضمن الجزء الأساسي منه الدولة. وفي روسيا، أعلن رئيس الوزراء فلاديمير بوتين أن إجراءات لدعم المصارف ستتخذ قريبا. وأنفقت المصارف المركزية مليارات الدولارات لتجنب توقف النظام المالي، وقد ضاعف الاحتياطي الفدرالي الأميركي الأموال التي يخصصها للمصارف المركزية الأخرى لتتمكن من تقديم قروض للمصارف، لتبلغ 620مليار دولار. وأعلن المصرف المركزي الأوروبي انه سيقرض المصارف التجارية 120مليار يورو لمدة 28يوما. من جهة أخرى، وبقياس الاقتصاد الحقيقي، أعلنت واشنطن أن الاستهلاك بقي مستقرا في شهر أغسطس، ما يدل على أن أموال الضرائب التي أعيدت إلى الأسر كانت مجدية. وتراجعت أسعار النفط أكثر من عشر دولارات في نيويورك اثر رفض الخطة، وأغلق برميل النفط الخفيف على 96.37دولارا مساء الاثنين في نيويورك. وواصلت أسعار النفط تراجعها في المبادلات الالكترونية في آسيا أمس، ففي المبادلات الصباحية تراجع سعر برميل النفط المرجعي الخفيف، لايت سويت كرود، تسليم نوفمبر 73سنتا ليصل إلى 95.64دولارا، وأما سعر برميل خام برنت النفط المرجعي لبحر الشمال تسليم نوفمبر، فقد انخفض 54سنتا ليبلغ 93.44وقال في لقاء مع صحافيين في دي موين، بولاية أيوا، انه ليس وقت الاهتمام بالمذنبين بل وقت الاهتمام بالمشاكل. وشهدت أسواق المال في آسيا أمس يوما أسود، فقد أغلقت بورصة طوكيو على انخفض بنسبة 4.12في المائة، وتراجع مؤشر نيكاي 483.75نقطة ليغلق على 11259.86نقطة، أدنى مستوى يسجله منذ أكثر من ثلاثة أعوام. من جهة أخرى، أعلن بنك اليابان أمس عن ضخ ثلاثة مليارات ين، نحو 19.5مليار يورو، في النظام المصرفي الياباني لمساعدة المؤسسات المالية على مواجهة النقص في السيولة الناجم عن الأزمة العالمية المالية.