تمر على بلادنا المملكة العربية السعودية في كل عام مناسبة احتفائية يحتفل بها الوطن والمواطن والقيادة والقاعدة وبكل مشاعر الفخر والاعتزاز ومعاني الحب والولاء والاخلاص والتلاحم بروح الأسرة الواحدة المجتمعة على راية التوحيد الخفاقة ذلك اليوم هو: اليوم الوطني (1) وبذكره السادسة والسبعين والتي يستذكر فيها المواطن تجذر علاقته بوطنه وقيادته وما تحقق لبلاده وانسان بلاده من خير وفير ووحدة ولحمة وأمن وأمان ورخاء واستقرار عم كل بقعة من ترابها منذ عهد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وحتى وقتنا الحاضر الذي يجتمع فيه تحت راية واحدة وقناعة واحدة وقيادة واحدة ووطن اوحد يلفه الحب والعطاء وصدق الولاء والانتماء وهذا ما برهنت عليه المواقف والاحداث والازمات التي تطرأ والتي تزيد تلك العلاقة الحميمة بين الحاكم والمحكوم قوة وثباتاً دونما تصنع او تكلف وبكل تلقائية صادقة فالمواطن السعودي ومنذ قيام الدولة السعودية الأولى (2) عرف بدوره الريادي البارز ومواقفه المشرفة تجاه ولاة امره ووطنه فهو لبنة صالحة من لبناتها وركيزة اساسية من ركائزها ودعامة من دعمائمها فمنه وله ومن اجله تدور عجلة التنمية والبناء في مختلف الميادين والمجالات ومواطن هذه المملكة عرف بوطنيته الصادقة وحبه الشديد لوطنه وولاة امره فهو يسعى جاهداً لما فيه خيرها وازدهارها وتقدمها لكل مواطن من مواطني هذه المملكة طريقته الخاصة في التعبير عن حبه وولائه وانتمائه لهذه الأرض الطيبة ولقيادته الحكيمة، وهذا التعبير كلما كان عفوياً كلما كان صادقاً ومتجلياً فكان له القبول. وهذا التعبير ليس وليد اليوم ولكنه منذ البدايات الأولى لقيام الدولة السعودية عندما التقى الامامان المصلحان الامام محمد بن سعود (3) صاحب السلطة والنفوذ، والشيخ الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب (4) صاحب الدعوة السلفية عندما علم بنزوله عند عبدالله بن سويلم (5) فأتاه وسلم عليه وابدى له غاية الاحترام والتقدير واخبره أنه منيعه مما يمنع فيه نساءه واولاده، وتم على اثر ذلك اتفاق الدرعية (6) الذي يعتبر النواة الأولى في بناء صرح الدولة السعودية الأولى وعلو شأنها. وبين ايدينا وصية (7) نادرة تعد وثيقة تاريخية مهمة عمرها الزمني 128سنة حيث كتبت في غرة شهر شوال عام 1299ه، وتلك الوصية اوصى بها احد مواطني هذه المملكة وأحد ابناء محافظة الزلفي (8) والذي عبر في زمنه عن مدى حبه وولائه وانتمائه لهذا الوطن ولقيادته وللدعوة السلطية حيث اوصى بثماني اضحيات واحدة منهن للشيخ محمد بن عبدالوهاب صاحب الدعوة السلفية وما تسلسل من ذريته وواحدة للإمام محمد بن سعود وابنه عبدالعزيز (9) وما تسلسل من ذريته، ما كانوا متمسكين على هذا الدين القويم ولعل المتمعن في قراءة الوصية ليجد مدى الحب المتأصل في نفوس ابناء هذه المملكة منذ القدم ومدى الحب الخالص لولاة امرها، فالمواطن عبدالرزاق الجويعي عبر وقتذاك عن وطنيته عندما قرر هذه الوصية خالصة لوجه الله تعالى فهو لم يكن ينتظر مقابلاً لذلك او ثناء او قربة لأحد بل كان محتسباً الاجر والمثوبة من الله عز وجل حيث أدرك بثاقب نظرته مدى الدور الكبير والجهاد العظيم الذي قام به الامامان المصلحان في سبيل قيام هذه الدولة التي لاتزال - بحمدالله- قائمة على هدي من الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فكان لها الأمن والامان والخير والاستقرار ورغد العيش الكريم عندما حافظت القيادة على تلك المسيرة المباركة التي قواها الايمان بالله عزوجل والتلاحم والوفاء والعطاء وهذا ما عبر عنه هذا المواطن (10) منذ ما يزيد عن 128سنة ولقد التقيت بأحد احفاده (11) وقال لي بأنه لم يتم العثور على هذه الوصية الا بعد وفاة والدي (12) حيث وجدت مجموعة من الاوراق الخاصة مبعثرة وقمت بفرزها ثم عثرت على تلك الوصية الهامة ولعل ابرز ما نستخلصه عن قراءتنا لتلك الوصية ما يأتي: أولاً: اهمية تلك الوثيقة "الوصية" كوثيقة تاريخية للدلالة على محبة ابناء هذه المملكة لولاة امرها منذ القدم وحتى يومنا الحاضر. ثانياً: الاعتراف بمدى الدور العظيم الذي قام به الامامان المصلحان الامام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب في قيام الدولة السعودية. ثالثاً: الوثيقة تبرز الحس الوطني العميق منذ البدايات الأولى لقيام الدولة السعودية وتعطي معنى اكثر ترسخاً لمواطن تلك الحقبة من الآباء والاجداد كل في مجاله لتعزيز المفهوم الوطني وربطه بقيمنا الإسلامية السمحة. رابعاً: دلالة الوثيقة "الوصية" برسوخ قوة العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم والراعي والرعية ابان قيام الدولة. هوامش (1): اليوم الوطني: غرة برج الميزان الموافق الثالث والعشرين من شهر سبتمبر. (2): قيام الدولة السعودية الأولى 1157ه (1734م). (3): الامام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى 1157-1179ه). (4): صاحب الدعوة السلفية الاصلاحية (1115-1206ه). (5): حيث نزل في بيته وسمع يأمره الأمير محمد بن سعود وذهب اليه ومعه اخواه ثنيان ومشاري وسلما عليه وأسدى له الأمير غاية الاكرام والتبجيل وأخبره انه يمنعه مما يمنع منه نساءه واولاده. (6): وتسمى معاهدة الدرعية عام 1157ه (1744م) وهي بداية التاريخ السعودي المؤثر لأنه بداية الدولة السعودية الأولى. (7): الوصية: الأمر بالتصرف بعد الموت. (8): الزلفي: محافظة تقع إلى المشالي الغربي من مدينة الرياض على بعد 280كم 2.(9) عبدالعزيز بن محمد بن سعود الامام الثاني من ائمة الدولة السعودية الأولى (1132-1218ه). (10): عبدالرزاق بن محمد الجويعي.