إن العاقل ذا البصيرة ليحزن أشد الحزن على تراث أمته ومخزونها التاريخي مما ينتابه من خذلان أو تنكر من أهله المنتسبين إليه! ثم إن السوي ذا العقل المتَّزن مجبول على الاعتزاز بما لديه من رصيد معنوي علمي نابع مما جنته أمته من خلال تجاربها الكبيرة التي اختزلتها من خلال أربعة عشر قرناً من الزمن في بعض المجالات، ولقد قرأت بكل أسى ما حكاه قلم الأستاذ الكريم علي بن سليمان العلولا في هذه الجريدة يوم السبت الموافق 1429/8/22ه تمثل في استنكاره قيام ثلة من المنتسبين لخطط الحج وتنظيمه باسم إحدى جامعاتنا العريقة برحلة إلى جمهورية الصين لحضور الفعاليات الرياضية التي أقيمت قبل أيام هناك! لماذا؟ لو كان الأمر بقصد حضور تلك الفعاليات أو لميول رياضية بحتة لكان الأمر أهون بكثير على القلب وعلى النفس! وحيث إن أولئك النفر ممن تسنَّموا درجات فكرية عالية! فقد أعلنوا بكل فخر واعتزاز!! وبكل صراحة! انهم ذاهبون لتلك البلاد لحضور تلك الفعاليات بصفة رسمية! بقصد الاستفادة من تجارب أولئك القوم في الاستعداد والترتيب والتسيير للجموع الحاشدة التي ستحضر للصين من سائر أنحاء العالم للمشاركة أو حضور الفعاليات المذكورة التي بلغت أعدادها تسعين ألفاً للاستفادة من ذلك في أبحاث ودراسات الحج!! ألا ينتابك أخي القارئ الكريم العجب من هذا الحماس المزعوم غير المبرَّر لهذه الرحلة الشاقة؟ وماذا عسانا أن نقول لتلك التجارب الطويلة ذات القرون العديدة! في الإعداد والتنسيق وشحذ الجهود الحكومية سواء منها الأمنية أو غيرها والاستقبال لجموع هائلة جداً تفوق العدد المذكور آنفاً أضعافاً مضاعفة إلى ملايين الأشخاص!؟ .. هل هذا تنكُّر لما نحن عليه من لباس عظيم جميل يفتخر به كل من لبسه من المسؤولين والقائمين علِى أمر الحج! تمثل ذلك بالتجارب الكبيرة والخبرة الطويلة والفكر النيِّر الذي جذب إعجاب دول العالم العظمى قبل الصغرى؟ ومن ضمنها تلك الدولة التي ذهب إليها أولئك النفر المحسوبون على أبحاث الحج!؟ من خلال تسيير حشود ضخمة عظيمة بلغ عددها ملايين الأشخاص في وقت لا يتجاوز بضع ساعات ومن مكان واحد على خط سير واحد ومنهم الماشي والراكب بكل ما يستلزم ذلك من تجهيزات إسعافية ومرورية عالية الخبرة بخلاف الاستعداد لبعض الغثاء الإعلامي المصاحب لتلك الشعيرة العظيمة التي يستغلها البعض لأغراض لا تخفى على المنصف اللبيب!! كل هذه التجارب مرّت بسنين طويلة تكوَّن من خلالها لدينا أفضل الطرق وأسهل الأساليب وأسرع الحلول لما قد يعترض شعيرة الحج من عراقيل تنتاب هذه التجمعات سواء ما ينتابها عادة أو في أحدِّ الأزمات العفوي منها وغيره! قد يقول قائل حنانيك علَّ الأمر أهون من ذلك! وفعلاً قد يوجد عند أولئك الصينيين من أفكار جميلة ما ليس لدينا! وقد يقول قائل ألا يتطلب الأمر البحث عن الكمال حتى يكون لدينا في تنظيم أمر الحج أكبر قدر ممكن من الدراسات والبحوث! أقول: أليس الأولى بدل أن نظهر بهذا المظهر المزري ونحن مصدرٌ يُعتَزُّ به لتدبير أمور الزحام في موسم الحج وتسيير الحشود التي لم يشهد التاريخ مثيلها على مر الزمان مكاناً وزماناً؟ ألا يمكن أن تتم الاستفادة من ذلك بدون شحذ الهمم واستنفاد الطاقات بمالا فائدة منه - قطعاً - مما يجعلنا عراة من كل اعتزاز بما لدينا من كل ما نستحقه ويراه غيرنا عملة نادرة على رؤوسنا؟! حيث لو كان غيرنا بل ممن يجاورنا يملك هذه الخصوصية في أمر كالحج لحاول أن يتزيا بما لم يكن عنده!! هل الإشباع النفسي بقناعات معينة أتخمت عقولنا بأننا بحاجة للغير - وخصوصاً إذا كان هذا الغير من الدول العظمى - في أغلب شؤون حياتنا الحسية والعلمية والمعنوية جعلنا ذوي قناعات أكثر أننا لا يمكن أن ندير شؤوننا التي لا يملك سوانا غيرها؟ أيها القارئ الكريم.. بعد مرور كل هذه السنين والتجارب في التفويج الناجح للحجيج ألا يحق لنا أن نقول لأولئك النفر أصحاب التصرف غير المسؤول: كان يجب عليكم أو من مثلتموه - للأسف - أن تقدِّموا تجاربكم للغير متمثلاً في بحوث ودراسات ومحاضرات قيِّمة تفتخر بها هذه البلاد وأهلها؟ يؤلمني كثيراً أن أتذكر شيئاً اسمه "الهزيمة النفسية"!!