من يتابع التقارير العالمية والإقليمية وكل أنحاء هذا العالم، لم يتوقع ولا بنسبة 1% أن الأسعار تتراجع بعد ارتفاع وخاصة في سلعتين هما "الغذاء والسكن" أما غيرهما من وقود وخدمات واتصالات وسلع أخرى فتتعرض لتقلبات كبيرة وإن كان الاتجاه صاعداً.. على أي حال، التضخم هو أكبر الهموم والمعاناة الاقتصادية عالميا الآن، والأسباب كثيرة ومتعددة، من سعر صرف أو مشاكل بيئية أو قلة انتاج أو شح مياه أو تكلفة طاقة وغيرها، لكن المثير للاستغراب أن لدينا كجهات حكومية وخاصة جهاز مؤسسة النقد الذي لا زال يصر على أن هذا التضخم "تحت السيطرة" وأفهم من عبارة تحت السيطرة هو "أن لا يزيد ولا يتمدد وأن يكون اتجاهه للانحسار لا للازدياد". ببساطة هذا التعريف أفهم معنى "تحت السيطرة" كما يقول رجل الدفاع المدني حين يحدث حريق بأنه تحت السيطرة "أي انحسار وقرب انتهاء" لا أن تحترق البناية بكاملها ويقول تحت السيطرة، أو كما قال أحد الأطباء في رواية "نجحت العملية ولكن المريض توفي" . محافظ مؤسسة النقد الاستاذ حمد السياري، في بداية السنة قال إن التضخم سيشهد "انحساراً" منتصف العام بسبب الدعم الحكومي للسلع والخدمات التي اعتمدت، لكن ماذا حدث؟ تضاعف التضخم وأصبح الآن يلامس أو لامس 11.1بالمائة، هل هذا هو المقصود به انحسار للتضخم أم أصبح المقصود به انسياباً للتضخم واستمرار له. ولا احتاج كثيرا من الشواهد وتواريخ تصاريح لمحافظ مؤسسة النقد بين ما قال في مؤتمر بنك التسويات الدولية في عام 2007حين سئل عن التضخم، ولا ما قال أول العام الحالي 2008وكلها "التضخم تحت السيطرة وإلى انحسار" . سؤالي الذي لا أجد له إجابة، هل المسؤولون بمؤسسة النقد مقتنعون بتصاريحهم أن التضخم إلى انحسار وتحت السيطرة كما يقولون ولا يعرفون ما يحدث في هذا العالم الذي أصبحت مكشوفة كل أحداثه وتوقعاته؟ وإذا كان نعم لماذا تضاعف التضخم وهم واثقون من تصاريحهم التي تكرر "تحت السيطرة وإلى انحسار"؟ وهل المسؤولون بمؤسسة النقد فقط يمارسون التطمين من باب التطمين اليومي وعدم القدرة لقراءة ما سيكون مستقبلا من احداث ومتغيرات اقتصادية؟ رغم خبرة العقود من السنين لكن لم تكن التصريحات تحاكي الواقع نهائيا . لم يكن مطلوباً من محافظ مؤسسة النقد التطمين لمجرد التطمين أو امتصاص الضغوط، بل المكاشفة والوضوح والشفافية هي المطلوبة، ماذا جنى الآن مسؤولو مؤسسة النقد من تصريحاتهم غير الدقيقة وهم صناع قرار وخبراء في مجالهم وقاربوا سن التقاعد، هل يعتقدون أن المتلقي والمتابع يثقان بتصريحاتهم الآن التي لا تمت للواقع بصلة، كان من باب أولى أن يقال كل شيء بوضوح تام وما هو ممكن وغير ممكن، وأن يكون مكاشفة بينة لا لبس بها، فهذه سياسة نقدية ومالية لدولة بكاملها يبنى على أسسها كثير من القرارات والإجراءات، ولكن لا زلنا نكرر "السيطرة والانحسار" لماذا؟، وهل هو فرض وواجب التطمين من لا شيء؟. حين نفكر بالحلول يجب أن يكون أول ما يطرح الوضوح والشفافية والصراحة والقدرة على التنبؤ وطرح الحلول العملية عدا ذلك سنكون في المربع الأول إلا أن يشاء الله سبحانه .