قال تعالى: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفتِنَا فِي سَبعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأكُلُهُنَّ سَبعٌ عِجَافٌ وَسَبعِ سُنبُلاتٍ خُضرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُم يَعلَمُونَ، قَالَ تَزرَعُونَ سَبعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُم فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأكُلُونَ، ثُمَّ يَأءِي مِن بَعدِ ذَلِكَ سَبعٌ شِدَادٌ يَأكُلنَ مَا قَدَّمتُمء لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحصِنُونَ، ثُمَّ يَأتِي مِن بَعدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعصِرُونَ) (يوسف 46-49). هذه الآيات الكريمة تدل على أن مشكلة الأمن الغذائي قديمة، أقدم من التعابير الاقتصادية الأخرى التي نسمعها. وتُلفت النظر إلى أن الإدخار طبيعة الحركة الاقتصادية. أقصد ادخار الطعام لوقت الحاجة حتى لا يجوع الناس وتنتكس أحوالهم ونشاطهم . ومن المعايشة وماروته الكتابات والقصص عن عصر ماقبل النفط في بلادنا، وجدنا أن منطقة نجد لم تتعرض للمجاعات المأساوية التي نشاهد أمثالها اليوم على شاشات التلفاز (الهياكل البشرية ). فقد كان الناس بمختلف طبقاتهم وسلوكهم المعيشي يتخذون "الجصّة" ركنا ضروريّاً وهاماً من ضرورات تشييد الدار. والجصّة هذه غرفة مربعة مبنيّة من الجص (ومن هذا جاء اسمها) والحجر المحلي. وتشتري العائلة أنواعا من التمر قابلا للإ دامة والتخزين (نوع يسمى الشقرا مثلا) وتستمر العائلة في استهلاكه حتى الموسم القادم دون أن يطرأ على تلك المادة الغذائية فساد أو عطب. ودون أن تظهر على الأهالي بوادر سوء تغذية، كما نرى الآن في أخبار الدول التي تعاني المجاعات . حبوب القمح كذلك يجري شراؤها وتخزينها (دون طحن) لأن خبرة الأهالي أرتهم أن مجرد طحن القمح يحرّضه للفساد أو للدود. وكانوا يخزنون كل نوع على حدة. فهذا لا يصلح الاّ للجريش. وذاك يصلح فقط لخبز التنور. وآخر لل.... "تاوه"، وهو نوع من الخبز المنتفخ يقدّم بعد قليه بالزبد (أقرب ما له الآن الدونات. لكن الأول مضمون بأنه غير مخلوط بمواد حافظة . رأى المفكرون وخاصة في الغرب في بدايات القرن العشرين أن العالم سيعاني في السبعينات من القرن (العشرين) من المجاعات وموت الملايين وخاب ما تنبأوا به، ولكن مشكلة توفير الغذاء قائمة، والأصعب توفير الغذاء في حالات الحروب أو الكوارث الطبيعية، كالجفاف والزلازل والبراكين والأمراض الوبائية. ومن هنا ظهر مصطلح الأمن الغذائي. ولا يخفى على أحد خطورة عدم توفير لقمة العيش للناس في الظروف العادية، فكيف تكون الحال في ظروف الحصار والحرب، فكم من دول عجزت عن تدبير أمورها اليومية نتيجة نقص الغذاء والماء، وكم من دولة سلمت مقدراتها وخيراتها لغيرها من الأمم والشعوب من أجل الحصول على رغيف الخبز. فالأمر جد خطير، وناقوس الخطر يدق محذراً من المخاطر الكثيرة والكبيرة القاتلة. فالأمن الغذائي: هو قدرة دولة ما على توفير الحاجات الأساسية من الغذاء والماء لأبنائها، وفي كافة الظروف العادية وغير العادية كالحروب والحصار والجفاف...