في السنوات الخمس الأخيرة لاحظ المهتمون في الشأن السينمائي العالمي أنه ليس هناك موجة سينمائية حديثة تستحق التعرض لها من حيث الدراسة والتحليل مثل الموجة الرومانية الحديثة، لحصول ستة أفلام رومانية خلال الخمس سنوات الأخيرة على ستة جوائز رئيسية في مهرجان كان السينمائي فقط. ومن هذه الأفلام يبرز أكثرهم أثرا، وأقدمهم إذا جاز قول هذا، الفيلم الفائز بجائزة "النظرة الخاصة" في مهرجان كان عام 2005(موت السيد لازاراسكو- The Death of Mr. Lazarescu) لكريستي بويو والذي لفت الانتباه بسبب تكرره في أغلب قوائم النقاد الأمريكيين لأفضل أفلام السنة، وتميز بنقله أسلوب الواقعية السينمائي إلى أعلى مراحلها الجمالية والتعبيرية، ليس بشكل تأملي في فضاء اللقطات، بل لأن جميع عناصر الكادر تنقل أقصى المشاعر الإنسانية للمشاهد، وهذا فتح في عالم السينما الواقعية التي لم يجد فيها بويو ملاذاً للخروج من مأزق التمويل كما يمكن أن يقول البعض. وكما حافظ الرومانيون الشباب ممن أتوا بعد بويو، على روح الفيلم الواقعي، حافظ بويو على نفس الملامح والتفاصيل التي يجب أن تتوافر في "سينما الحقيقة"، لكنه لم يدنو من الشارع كثيراً، بل اتجه إلى الوضع الصحي المأساوي في رومانيا، مستعرضاً في فيلمه هذا اليوم الأخير في حياة عجوز يقضيها بالتنقل في سيارة الإسعاف من مستشفى لآخر، ومن هذه الرحلة المأساوية، رحلة الاحتضار، تتنقل الكاميرا بشكل مفرط في واقعيتها الثقيلة الباعثة على الملل. لكن بويو يحول واقع بوخارست البائس للوحة فنية من خلال القطع الناعم للمشاهد والإضاءة الخافتة والأداء الارتجالي للممثلين. يبدأ الفيلم بشعور السيد لازاراسكو بالألم فيبدأ بالاتصال على الطوارئ ليخبرهم بأنه يشعر بصداع شديد وتقرح في المعدة، لكن الجميع بمن فيهم الجيران يبررون الألم على أنه نتيجة طبيعية لاستهلاكه للخمر فيلقون إليه بالنصائح ولا يأخذون شكواه على محمل الجد. وبفطرية عجوز يشعر بمباغتة الألم ويصر على استدعاء سيارة الإسعاف لكي تنقله للمستشفى، ليفاجأ بأن المستشفيات لا تستقبله إما بحجة أنه مخمور أو لنقص في الأسرة، وطوال الساعتين والنصف لا نشاهد سوى لقطات واسعة لكاميرا محمولة تتجول في مستشفيات بوخارست متيحه الحرية للممثلين بالتجول داخل إطارها، فالممثلين يدخلون ويخرجون والكاميرا لا تتبعهم، نسمع أحاديثهم وتفاصيل المستشفيات الدقيقة ونشعر بذلك النقد اللاذع بالحد الأدنى من وسائل التعبير السينمائية، لكن التطرف في استخدام اللقطات المتوسطة يصل لأقصاه عند شعور المشاهد بألم السيد لازورازو بدون مشهد مقرب "كلوز اب" وبلا أي تكلف من الممثل.