أدى الاتصال والتأثر الحضاري بالغرب خلال القرون الثلاثة الأخيرة إلى التعرف على ونقل مصطلحات وأفكار وكلمات كثيرة شائعة لدى الغربيين، مستعملة في التجارة والمال والثروة والكسب والإنفاق ونحو ذلك، ولهذه الكلمات دلالاتها ومعانيها الاصطلاحية في الأوساط الغربية. قد يكون من بين هذه الكلمات ما أخذ من اللغة العربية إبان ازدهار الحضارة الإسلامية. لكنها في الغالب اكتسبت مع مرور القرون معاني غير مطابقة للمعاني الموجودة في اللغة الأصل المتأثر بها، أعني العربية، وقد تكون اللغة العربية أخذته أصلا من لغات أخرى إبان الدولة العباسية مثلا. من الكلمات الشائعة المنقولة عن الغرب كلمتا economy، وeconomics. الترجمة هي الأداة الأولى لنقل المعرفة بين المجتمعات. الكلمة الأولى economy ترجمت إلى "اقتصاد" أو "الاقتصاد" حسب السياق، والمعاني الشائعة الآن لكلمة "الاقتصاد" جلبت غالبا من الغرب، ولا تتفق بالضرورة مع المعاني اللغوية الواردة في معاجم اللغة. الكلمة الثانية economics ترجمت إلى "علم الاقتصاد". ولكن يقال أحيانا "الاقتصاد"، ونعرف أحيانا أن المقصود هو علم الاقتصاد من السياق، وأحيانا لا يعرف المقصود. ولم يكن لعبارة "علم الاقتصاد" معنى أو معان اصطلاحية في المجتمعات العربية طيلة القرون التي سبقت عصر الثورة الصناعية وتطور العلوم الحديثة، ومن باب أولى أنه لم تكن لعبارة "اقتصاد إسلامي" من معنى اصطلاحي. وبما أن اللغات تتفاوت في تركيبها وقواعدها ومعاني ودلالات كلماتها، فإن الترجمة تأتي بسلسلة من المشكلات. من المشكلات أننا نقرأ الكلمة اقتصاد، ولا نعرف هل المقصود علم الاقتصاد economics أم المعنى الآخر الذي تدل عليه الكلمة economy. ويتبع ذلك أننا نسمع الكلمة اقتصاد إسلامي، ويلتبس علينا المعنى أحيانا: هل المقصود علم اقتصاد economics موصوف بأنه إسلامي، أم هو شيء آخر غير علم الاقتصاد المخصوص؟ قد تبدو القضايا التي تثيرها تلك الأسئلة للوهلة الأولى غير مهمة كثيرا عند البعض، ولكنها ليست كذلك، فمثلا كلمة علم في عبارة علم الاقتصاد لا تعطي نفس مدلول كلمة علم في عبارة علم الفقه. ومثال آخر أن البعض عد كتبا من قبيل كتاب "الخراج" لأبي يوسف وكتاب "الأموال" لأبي عبيد وكتاب "الحسبة" لابن تيمية من كتب الاقتصاد، ولنا أن نسأل هذا البعض: ماذا تقصدون بقولكم "اقتصاد"، طالما أن الكلمة لم يكن لها معنى اصطلاحي عند أئمة الأمة عبر قرون طويلة؟ المعاني أو المفاهيم المعاصرة الشائعة عن الاقتصاد وعلم الاقتصاد مصدرها الغرب. وحسب هذه المعاني، هي ليست كتبا في علم الاقتصاد، وإن كان هذا لا يلغي احتواءها على أحكام مسائل وموضوعات تدخل في مسمى اقتصاد economy، ومناقشات تعد بطبيعتها من علم الاقتصاد economics، مثلما أنه يمكن لكتب التسويق أو إدارة الأعمال أو المحاسبة أو القانون أو الفقه أو الجغرافيا أو الاجتماع أو التاريخ ... الخ أن تحتوي على مناقشات من صميم علم الاقتصاد، ولكن هذا لا يحولها إلى كتب علم اقتصاد. وهذا مضطرد في كل العلوم والمصنفات، فأبواب القضاء في كتب الفقه تحوي تنظيمات إدارية، وهذا لا يجعلها أبواب إدارة، وتحوي كتب الفقه لفتات طبية وهذا لا يجعلها كتب طب، وكتب الفرائض (علم المواريث) تحوي عمليات حسابية، وهذا لا يجعلها كتب حساب أو رياضيات، وهكذا. البحث والنقاش العلمي يحتاج إلى ضبط وتدقيق. ثم ندخل في مشكلة أخرى أكبر. غالبا ما تقوم ترجمة المفردات على تقريب المعنى، ذلك أنه في الغالب يصعب وأحيانا يتعذر الوصول إلى لفظ عربي يطابق المعنى الذي تدل عليه اللفظة الأعجمية، وأحيانا يحدث الأسوأ، بأن تختار ترجمة تسبب اللبس في الفهم. وهنا تنشأ غالبا مشكلة في التصور والفهم بالغة الأثر والتأثير. فائدة: للتراجمة في النقل طريقان: أحدهما أن ينظر إلى كل كلمة مفردة من الكلمات المراد ترجمتها، وما تدل عليه من المعنى فيأتي بلفظة مفردة من الكلمات العربية ترادفها في الدلالة على ذلك المعنى فيثبتها، وينتقل إلى الأخرى كذلك حتى يأتي على جملة ما يريد تعريبه، وهذه الطريقة هي الشائعة، ولكنها رديئة لوجهين: أحدهما أنه لا يوجد في أي لغة كلمات تقابل جميع كلمات اللغة المراد الترجمة منها. والثاني أن خواص التركيب والنسب الإسنادية لا تطابق نظيرها من لغة أخرى دائماً، وأيضاً يقع الخلل من جهة استعمال المجازات وهي كثيرة في جميع اللغات. الطريق الثاني: أن تأتي الكلمة والجملة فيحصل معناها في ذهنه ويعبر عنها من اللغة الأخرى بكلمات تطابق المعنى قدر الإمكان سواء ساوت الألفاظ أم خالفتها، وهذا الطريق أجود، ولكن من النادر أن يستخدم لصعوبته وطوله، وندرة الموارد البشرية اللازمة له. .بكالوريوس في الشريعة ودكتوراه في الاقتصاد