نشرت صحيفة "هآرتس" في الأسبوع الماضي خبراً جاء فيه أن الولاياتالمتحدة حذرت إسرائيل من أن تقوم بشكل مفاجئ بمهاجمة إيران دون إبلاغها مسبقاً بذلك. وكان رد إسرائيل على التحذير الأمريكي متعالياً ومتعجرفاً. وقالت إنها تحتفظ لنفسها بحق التحرك إذا فشلت الجهود الجارية حالياً لوقف البرنامج النووي الإيراني بالطرق الأخرى. وبعد رد إسرائيل بقليل غزت روسيا فجأة جورجيا وهددت بضرب بولندا إذا نفذت الولاياتالمتحدة خطتها لنصب صواريخ في دول الكتلة السوفيتية السابقة والتي ترفض الانصياع لموسكو. الدرس الذي يجب على إسرائيل أن تستلهمه من الاجتياح الروسي لجورجيا هو أنه إذا اضطرت للدخول في حرب مفروضة عليها لا قدر الله فستجد نفسها وحيدة فيها. ولا يمكنها الاعتماد على التدخل الأمريكي التلقائي لان أمريكا لم تحرك ساكناً لمنع الغزو الروسي العدواني. كما أن الرئيس بوش لم يتنازل عن إجازته واكتفى بإرسال كوندليزا رايس لجورجيا في زيارة بدت وكأنها زيارة تعزية. إن صيف هذا العام وضع إسرائيل أمام واقع جديد، وهو عودة روسيا الى ألاعيب الحرب الباردة. ليس واضحاً كيف ستتطور الأمور في المواجهة الحالية، ولكن حتى إذا وصلت القوى العظمى وأوروبا الى حل ووقع على اتفاقية دائمة، أثبتت روسيا وبصورة قاطعة أنها موجودة على الخريطة، سواءً في مواقع النفط، وعدة مواقع إستراتيجية أخرى في منطقتنا. أيضاً ليس واضحاً أن روسيا غير راضية عن امتلاك إيران للسلاح النووي، التي تعتبر الخطر رقم واحد بالنسبة لإسرائيل، ولم تتفوه بكلمة تحفظ واحدة بهذا الشأن. في الواقع الجديد من المهم لإسرائيل أن تسير من الآن فصاعداً على أطراف أصابعها. خاصة أنها تقاد فعليا من قبل حكومة انتقالية ملزمة بتجنب توريط الدولة في عملية تجعل العالم ينقض عليها. وقبل كل شئ يجب أن تمتنع عن مفاجأة الولاياتالمتحدة وتوريط القوى العظمى الأولى حلفينا الوحيد، لان هذا سينعكس علينا بشكل صعب. كما يجب على إسرائيل أن تضع في حسبانها قدرة القوة العظمى المحدودة لشن حرب ضد دولة ذات سيادة. المتشائمون عندنا خائفون من أن تعود الولاياتالمتحدة الى سياسة الانعزال التي ميزتها عندما اجتاح النازيون أوروبا في بداية الحرب العالمية الثانية. قلق إسرائيل من الانعزالية الأمريكية في مكانه بالتأكيد، ولكن يجب الافتراض أن الولاياتالمتحدة لن تتخلى عن علاقتها المتميزة مع إسرائيل بسهولة. ومع ذلك من الممكن تلمس الإرهاق الظاهر على إدارة بوش نفسها العالقة في نوع من فيتنام "ب" في الشرق الأوسط. هناك شعور بالإرهاق والنفور في أوساط الرأي العام الأمريكي من فشل الإدارات المتعاقبة في حل الصراع في المنطقة. بيل كلينتون كرس جهوداً غير قليلة في التوصل الى تسوية مع الفلسطينيين ومع سوريا إلا إن اسمه سيذكر أكثر مقروناً بمونيكا لوينسكي أكثر من كونه صانعاً للسلام. بوش الأب تورط مع صدام حسين أثناء حرب تحرير الكويت إلا انه ترك صدام حياً وبذلك زرع بذور الحرب الحالية في العراق مع عشرات الآلاف القتلى والجرحى. أبراج منظمة التجارة العالمية سقطت على رأس بوش الابن اثر العملية الإرهابية الأكبر في تاريخ الولاياتالمتحدة. هو أعلن عن الحرب ضد محور الشر ومع كل قوته وكل اجتياحاته وكل المليارات التي دفعت كرشوة لم ينجح في إلقاء القبض على أسامة بن لادن حتى الآن. شخص واحد في آخر المطاف. بوش تدخل في التسوية الإسرائيلية الفلسطينية مع مراهنة كبيرة ولكن مطالبته بالديمقراطية وإجراء الانتخابات نتج عنه وصول حماس الى سدة الحكم. هناك احتمالان أمام الرئيس الذي سيأتي مكان بوش، إما مواصلة الحرب ضد محور الشر أو التركيز على المشاكل الداخلية الجسيمة التي تواجهها أمريكا، كأزمة اعتمادات شاملة، وأزمة القروض العقارية، عدم ثقة الجمهور بالاقتصاد، ارتفاع أسعار الوقود. والآن خطر تجدد الحرب الباردة. باراك اوباما الذي يرفع شعار "نعم للتغيير"، قد يكون اقل وداً مع إسرائيل ولكن لا يستطيع أحد أن يعد بأن يأخذ جون ماكين مصالح إسرائيل بالحسبان كما يعد الآن. المرشحان قد ينظران الى مصير من سبقهما في المنصب ويستنتجا بأن العلاقة مع إسرائيل يجب أن تكون أكثر تشدداً واقل تدليلاً في ظل ما يحدث في العالم. الواقع الجديد يلزم إسرائيل أيضاً بتوخي الحيطة وقبل كل شيء تخفيض مستوى عجرفتها والتخلي عن الافتراض أن أمريكا ستكون على يميننا في أي وضع كان. يوئيل ماركوس صحيفة هآرتس