حين يقدم أحدهم فكرة عملية أومشروعاً جديداً، فإنه يحرص على وضع نموذج أو ما يسمى "سبالبروتو تايب" بلغة السوق، هذا النموذج يساعده على توصيل فكرته أو مشروعه للمستقبل! وكل النماذج الأولية قابلة للتعديل وتتغير، وغالبا ما يكون المنتج النهائي مختلفاً إلى حد ما عن النموذج الأولي. أي أن الاختلاف تطور طبيعي ومنطقي فالفكرة تبدأ صغيرة ومحدودة ثم تتطور وتتغير حتى تتشكل وتصبح مشروعاً متكاملاً. وبما أنني إنسانة بعيدة عن المشاريع والابتكارات، فسأحدثكم اليوم عن نماذج أخرى، نماذج قد تكون موجودة في عقولنا المحدودة التي لا تستوعب كل ما حولها. خلال الأربع سنوات الماضية وكمتلقٍ صامت - لا يهش ولا ينش كما يقال بالعامية- كنت أتابع الحوارات الفكرية بين تيارات فكرية محلية مخلتفة سواء على صفحات الجرائد أو في الفضائيات أو في المواقع الشبكية المخلتفة، وهذه التيارات من وجهة نظري المحدودة جداً ما تزال في أول طريقها نحو النضج والتبلور يتضح ذلك في جدولتها لقضاياها الفكرية والاجتماعية في تواصلها مع بعضها وفي مشروعها الوطني الفكري الاجتماعي الذي لا أراه واضحاً أمامي وقد يكون العيب في عقلي وليس فيهم! فهذه التيارت انشغلت بانتقاد بضعها البعض والبحث عن الأخطاء السبعة في الآخر واستنفرت كل قواها في معارك فكرية جانبية ليست بذات أهمية. قد يكون هذا هو جسر العبور لمرحلة النضج الفكري التي تستوعب الآخر المختلف الذي تتشارك معه اللغة والأرض واسم العائلة وتتعامل معه على أساس التعايش. فالمجتمع الثري هو الذي يستوعب الآراء والأفكار المختلفة وحتى المتضادة. من الصعب أن تضع أمامك شكلاً موحداً أو نمطياً للإنسان السعودي، ونحن هنا نتحدث عن الصورة الثلاثية الأبعاد التي تشمل أموراً كثيرة مثل الفكر والخلفية الاجتماعية والثقافية. فأنت مثلاً لا تستطيع أن تقول إن النموذج الممثل للفرد السعودي هو هذا الذي يقضي الصيف في جنيف أو لندن أو ماربيا أو بيروت. ولا يمكنك أن تقول أن النموذج الوحيد للشاب السعودي هو ذاك الذي يعسكر في شارع التحلية أو يعبر الحدود لبلد مجاور كي يفجر نفسه! ما بين النموذجين على اختلافهما المتطرف مئات النماذج المختلفة أيضا، ببساطة لا يمكنك أن تختصر الأكل السعودي في "الكبسة"! فهناك من يأكل المرقوق وهناك من يأكل الهريس وهناك من يبحث عن "المحلى والحنيني" وحتى الكبسة تطبخ بطرق مختلفة! فإذا كنا نختلف في طريقة أكلنا وملبسنا من الطبيعي أن نختلف في أفكارنا وتوجهاتنا وفي النهاية نحن نتشارك في الانتماء والولاء. وبالتالي فإنه على التيارات الفكرية المختلفة أن تتذكر أنها لا يمكن أن تقولب مجتمعاً كاملاً في نموذج واحد لخدمة مشروعها الفكري بل عليها أولا أن تستوعب هذا المجتمع بكل ألوانه حتى تنجح في الوصول إليه ومخاطبته ليتقبلها هو أيضا.