"يفضل أهل الشاب الراغب في الزواج المعلمة، لقلة ساعات دوامها وكثرة اجازاتها، اضافة إلى الفائدة المادية "الطبيبة والممرضة جريئتان ووجود زملاء عمل رجال يثير غيرة وشكوك الزوج" "يصعب على أغلب الرجال الزواج من امرأة تمنح خدمتها مسكوباً معها رقتها وتلطفها" "النظرة التقليدية إلى عمل الطبيبة والممرضة انها في مقام "الخادمة" مهنة الطب تفسد مزاج المرأة وتغيب فيها الرومانسية أما الممرضة فتسكب حنانها على مرضاها ويصيبها الجفاف "المفترض أن يصاغ عمل كل منهما حسب ثقافة المجتمع". هذه مجمل الآراء والاتجاهات السلبية التي وردت عن عمل الطبيبة والممرضة في التحقيق المنشور في جريدة "الرياض" يوم الاثنين 21جمادى الأولى بعنوان "ساعات الدوام الطويلة تهددها بالعنوسة.. التمريض مهنة تصيب المرأة بالجفاف العاطفي، وعزوف الرجال عن الاقتران بها". لم أكن الوحيدة التي استاءت من هذا التحقيق وعنوانه الاستفزازي فقد شاركني الكثير خصوصاً ممن يعمل في المجال الطبي، وقد أوصلني ذلك إلى طرح العديد من الأفكار والتساؤلات، فهذه أول مرة أسمع عن تشبيه الطبيبة بالخادمة - رغم احترامي لمهنة الخادمة -، ثم ما العيب في خدمة الآخرين؟ ألسنا نخدم بعضنا بعضا؟ في التعليم نخدم الطلاب والطالبات والأهالي، وفي الأعمال التجارية نخدم الزبائن، وفي البنوك.. العملاء.. وإذا كانت الطبيبة والممرضة - حسب تلك الآراء - تستهلكان عواطفهما في العمل، فالأمر نفسه سينسحب على المعلمة التي لن تعود قادرة على تدريس أبنائها!! ثم ان "الجفاف العاطفي" سلوك ثابت لا علاقة له بنوع العمل، والعواطف - كما علقت احداهن - ليست مصرفاً يصل الحساب فيه إلى نقطة الصفر إذا أنفق مخزونه، بل العكس، العواطف تنضج وتتجدد وتتعمق، والمرأة العاطفية تعطي المزيد والمزيد لمن هم أقرب منها. ومسألة الجرأة ماذا تعني؟ لابد من التفريق بين الجرأة التي تعكس الثقة وقوة الشخصية، وبين التي تخالطها قلة حياء، والأخيرة ليست وقفاً على من يعملن في المجال الطبي فقد تكون في أي مجال عمل آخر. والرجل كما وصفته زميلة: أهو كائن فضائي أم واقعي من الطبيعي أن نتعامل معه؟؟!! ان تلك الأفكار التي كشف عنها التحقيق، تظهر إلى أي درجة لازلنا بعيدين عن العقلانية، نطلق الأحكام العامة ونضع تصنيفات وخطوطاً حمراء دون شعور بالمسؤولية، ويكشف أيضاً عن ضعف ثقة الشباب بأنفسهم وبالتالي بزوجاتهم، وانا أسأل: هل من المعقول ان تمضي فتياتنا سنوات طويلة في الدراسة والبحث والمعاناة وينتهين إلى سماع تعليقات ومعايشة أفكار غير معقولة فيها قسوة وعنصرية وتناقض، من شباب متعلم مؤمل ان يكون دعماً لهن؟؟ هل سيظل الرجال يبحثون عن وظائف لزوجات المستقبل مفصلة حسب رغباتهم الشخصية وعقلياتهم وأمزجتهم؟ وهل ستبقى مصالحهم المادية هي المعيار؟ وإذا كان كل شاب يحلم ويخطط للزواج من معلمة، فالمفترض أن تخطط الدولة لفتح عشرات الآلاف من المدارس!! ثم هل أثبت واقعنا الاجتماعي أن الزوجة التي لا تعمل، أو تعمل لساعات محدودة أكثر رعاية لبيتها وأسرتها؟ أم ان المسألة تعاون وتنظيم وقت وتحديد أولويات؟ كيف تنفر الفتيات من مهنة الطب والتمريض بالتهديد والتلميح بعدم الزواج والكثير من الرجال يصر على أن تتلقى زوجته وقريباته العلاج والرعاية على يد طبيبات وممرضات مخلصات؟. هذه النظرة القاصرة الجزئية والغيرة في غير مكانها والتي صبرنا عليها طويلاً، عائق أمام طموح الفتاة وتطلعات الدولة، وبقاء الشباب والشابات أسرى قوالب تفكير وآراء غير موضوعية تؤثر في خياراتهم، تضر بهم وبمستقبلهم. ما يسعدني ويطمئنني ان فتياتنا، سائرات في الدرب، متمسكات بما يؤمن به، وعلى الشباب بالمقابل، أن يكونوا مستقلين بأفكارهم دون تأثر بتجارب وآراء الآخرين التي تلقى هنا وهناك، في المقاهي والاستراحات، وتكون معاييرهم في اختيار الزوجة مبنية على صفاتها الشخصية لا مهنتها. وأتمنى ان تكون التحقيقات التي تتناول مثل هذه الموضوعات أكثر توازناً وتأسيساً لمبدأ المساواة بين المرأة والرجل وتوجها لطرح الحلول.