أصدر الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء عضو لجنة تقويم أم القرى بياناً حول أوائل الشهور القمرية - رجب وشعبان ورمضان وشوال وذي الحجة لعام سنة 1429ه ومحرم لعام 1430ه، وذلك حسب التقويم الفلكي، وفيما يلي نص البيان: الحمد لله القائل: الشمس والقمر بحسبان والقائل: (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم). والقائل عن الأهلة: قل هي مواقيت للناس. والقائل (هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق) أحمده وأشكره وأثني عليه بما هو أهله وبما ينبغي لكمال جلاله وفضله وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد. فعلى ما جرت عليه عادتي من إعداد بيان يتعلق بذكر أوائل الشهور القمرية - رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذي الحجة ومحرم وذلك لتقريب الإجراء الشرعي لاثبات دخول شهر رمضان المبارك وخروجه ولمعرفة يوم عرفة ويوم عيد الأضحى ولمعرفة يوم عاشوراء من شهر محرم وقد شجعني على مواصلة إعداد هذه البيانات أنها أعطت التأني في الاثبات والحد من التسرع في ذلك وإن كانت الجهة المختصة لا تزال في موقف المتردد في قبول المعارف الفلكية مما كان له أثره في الارتباك في الاثبات والإخراج أمام العالم الواعي خارج بلادنا وداخلها ولكننا اليوم في وضع وفي حال ينشط فيها الأمل بتغيير الحال وتعديل المقاييس والأخذ بحقائق الكون ودقائقه ولا سيما بعد أن كان من ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - موقف إيجابي ضد مواقف التردد والتشكيك في علم يعتبر من أهم العلوم الكونية - علم الفلك - ومن أهم وسائل الاثبات في دخول كل شهر وخروجه. وقبل أن ادخل في هذا البيان أحب أن أؤكد على مجموعة مسائل تتعلق بهذا البيان من حيث التحقيق والتدليل والتعليل وتوجيه القول بأن الأخذ بالنتائج الفلكية لا يتعارض مع النصوص الشرعية من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقد سبق مني أن ذكرت شيئاً من ذلك في بياناتي السابقة لما قبل هذا العام واليوم أحب أن أذكر المسائل التي أرى علاقتها بالموضوع. المسألة الأولى القول بأن الأخذ بالعلم الفلكي يتعارض مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا إلى آخره. وقوله صلى الله عليه وسلم: صوموا لرؤية وأفطروا لرؤيته. إلى آخره. فقوله صلى الله عليه وسلم: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب تقرير لواقع المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الغالب عليهم صفة الأمية وأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها فمتى كان الأمر عسيراً أو متعذراً تحقيقه فيصار فيه إلى قدر الإمكان حيث إن الأمر إذا ضاق اتسع أما إذا كان الطريق إلى تحقيقه متيسراً وميسراً فيجب الأخذ بذلك ولا شك أن الرخص الشرعية مشروط الأخذ بها بوجود العذر في وقت أدائها فإذا انتفى العذر انتفت الرخصة وتعين الرجوع إلى أصل التكليف. والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها انعدام الماء لجواز التيمم وبطلانه في حال وجود الماء وإمكان استعماله. وقد تغيرت أحوال المسلمين من جهل إلى علم ووجد في المسلمين الكثير من ذوي الاختصاصات العلمية في الطب والهندسة والفلك والفيزياء والأحياء وعلوم الذرة والطاقة وغيرها من علوم التقنية فلا يجوز لنا الاعتماد في أمورنا الشرعية على الأسباب التقليدية الظنية في النتائج والحال أن لدينا وسائل نتائجها قطعية. وفي هذا الصدد والخصوص قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - في رسالة أوائل الشهور القمرية معللاً قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهر هكذا وهكذا. قال - رحمه الله - لأن الأمر باعتماد الرؤية وحدها جاء معللاً بعلة منصوصة وهي أن الأمة أمية لا تكتب ولا تحسب. والعلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً. فإذا خرجت الأمة عن أميتها وصارت تكتب وتحسب. أعني صارت في مجموعها ممن يعرف هذه العلوم. وأمكن الناس خاصتهم وعامتهم أن يصلوا إلى اليقين والقطع في حساب أول الشهر وأمكن أن يثقوا بهذا الحساب ثقتهم بالرؤية أو أقوى.. وجب أن يرجعوا إلى اليقين الثابت وأن يأخذوا في اثبات الأهلة بالحساب إلى آخر ما قال. وأما قوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته. فهو قول صريح في وجوب التقيد في الصوم والفطر بالرؤية - أي رؤية الهلال بعد غروب الشمس - ويجب علينا معشر المسلمين التمسك بذلك والعض عليه بالنواجذ وترك ما يخالفه. ولكننا نقول: ما هي الرؤية التي أمرنا بالتقيد بها في صومنا وفطرنا؟ لا شك أن الاخبار برؤية الهلال شهادة والشهادة يشترط لقبولها مجموعة شروط من أهمها أن تكون الشهادة منفكة عما يكذبها فإذا كان علم الفلك يقرر أن الهلال قد غرب قبل الشمس من مكان ادعاء الرؤية فكيف تصح من الشاهد شهادته بالرؤية؟ حيث إن شهادته تعني رؤيته الهلال بعد غروب الشمس وعلم الفلك يقرر قراراً قطعياً أن الهلال قد غاب قبل الشمس بزمن. أليست هذه الشهادة مرتبطة بما يكذبها؟ فهذه الشهادة مردودة. ونحن بردها لم نرد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته. وإنما رددنا الشهادة لأنها باطلة فهي مرتبطة بما يكذبها. وجمعا بين تقيدنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته. وبين أخذنا بالحساب الفلكي. تذكر الأحوال التالية وحكم كل حال منها فيما يتعلق باثبات الرؤية ونفيها: @ الحالة الأولى: أن تغرب الشمس قبل الهلال ويرى الهلال بعد غروب الشمس فهذه الحال يثبت فيها دخول الشهر بالاعتبارين الشرعي والفلكي. @ الحالة الثانية: أن تغرب الشمس بعد غروب الهلال ولم يتقدم أحد بدعوى الشهادة برؤية الهلال بعد غروب الشمس فهذه الحال اتفق النظر الشرعي مع الواقع الفلكي على نفي الرؤية واعتبار هذه الليلة ليلة آخر يوم من الشهر الحالي. @ الحالة الثالثة: أن تغرب الشمس قبل غروب القمر ولم يتقدم أحد بدعوى رؤية الهلال فهذه اختلف الواقع الفلكي مع الحكم الشرعي حيث إن الواقع الفلكي يثبت دخول الشهر والحكم الشرعي ينفي دخوله حيث لم يشهد أحد برؤية الهلال فهذه الحال يجب علينا الأخذ بالنظر الشرعي في نفي دخول الشهر استجابة للنصوص الشرعية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه). (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته). لانحصار الاثبات الشرعي في الرؤية فقط بعد الولادة. @ الحالة الرابعة: أن يغرب القمر قبل غروب الشمس ويأتي من يشهد برؤية الهلال بعد غروب الشمس فهذه الحال اختلف الواقع الفلكي مع دعوى الرؤية قبل الولادة حيث إن دعوى الرؤية تقول بدخول الشهر والواقع الفلكي ينفي دخول الشهر لغروب القمر قبل الشمس ففي هذه الحال يجب الأخذ بالواقع الفلكي حيث إن الهلال لم يولد إلا بعد غروب الشمس فكيف يرى بعد غروبها والحال أن الشمس غربت قبل ولادته؟ فالهلال متقدم عليها نحو الغرب وغاب قبلها وهي متخلفة عنه نحو الشرق فالرؤية التي تقدم بها أصحابها شهادة ومن شروط قبول الشهادة أن تنفك عما يكذبها وهذه الشهادة لم تنفك عما يكذبها حيث إن ما يكذبها ملازم لها فيجب رد هذه الشهادة مهما كان الشاهد بها ومهما تعدد شهودها. وهذا معنى قولنا يجب الأخذ بالحساب الفلكي فيما يتعلق بالنفي دون الاثبات. المسألة الثانية قولهم بأن علماء الفلك مختلفون فيما بينهم في تحديد وقت دخول الشهر هل هو بيوم السبت مثلاً أو بيوم الأحد وقد جرى مثل هذا الاختلاف منذ خمسة أعوام حيث إن مجموعة من الفلكيين ادخلوا شهر رمضان بخميس وأحد علماء الفلك وهو الدكتور العجيري الكويتي ادخله بيوم الخميس فهذا اختلاف. فكيف نصير إلى أمر مختلف في تحقيقه؟ والجواب عن هذا بأن الاختلاف يقع في تحديد أول يوم من الشهر لا في تحديد ولادة الهلال ولا اقترانه بالشمس فهذان الأمران محل اجماع بين علماء الفلك قاطبة مسلمهم وغير مسلمهم والاختلاف اختلاف في الاصطلاح حيث إن بعضهم - ومن البعض الدكتور العجيري - يعتبر دخول الشهر إذا كانت الولادة قبل الثانية عشرة مساء بتوقيت غرينتش، اما إذا كانت الولادة بعد الثانية عشرة بتوقيت غرينتش فتعتبر هذه الليلة والنهار الذي يتلوها آخر يوم من أيام الشهر. والبعض الآخر يرى ان الاعتبار بولادة الهلال ما كان قبل غروب الشمس. فإذا ولد الهلال قبل غروب الشمس وغربت الشمس قبله كان ذلك اليوم آخر الشهر والليلة التالية لغروب الشمس هي ليلة أول يوم من الشهر الجديد. وإن كانت ولادة الهلال بعد غروب الشمس ولو بزمن يسير كانت الليلة والنهار الذي يتلوها آخر يوم من أيام الشهر الحالي. وممن أخذ بهذا الاصطلاح لجنة تقويم أم القرى فهي تأخذ بذلك تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء رقم 134في 1418/8/22ه المقتضى الآخذ بوقت غروب الشمس من مكةالمكرمة فإن كان غروبها قبل ولادة الهلال فتعتبر هذه الليلة ليلة آخر يوم من الشهر، وإن كان غروبها بعد ولاة الهلال فتعتبر هذه الليلة أول يوم من الشهر، ومستند هذا القول هو النص الشرعي في اعتبار دخول الشهر وخروجه الرؤية الشرعية المعتمدة على الشهادة الصحيحة برؤية الهلال بعد غروب الشمس وبهذا يظهر وجه الاختلاف والجواب عنه، وان هذا الاختلاف ليس اختلافاً في وقت ولادة الهلال وإنما هو اختلاف في الاصطلاح في التوقيت. ومثل هذا ما وقع في شهر رمضان عام 1421ه من الاختلاف في تحديد أول الشهر بين تقويم أم القرى المعتمد على الفلك في تحديد الولادة وبين مجموعة من علماء الفلك المعتمدين على الفلك أيضاً في تحديد الولادة هو اختلاف في الاصطلاح لا في تحديد وقت الاقتران والولادة. ولا شك ان حساب تقويم أم القرى هو الحق المتفق مع المقتضى الشرعي لأن العبرة في دخول الشهر وخروجه بغروب آخر الشهر قبل غروب القمر، فإن غربت الشمس قبل غروب القمر كانت الليلة ليلة أول يوم من الشهر، وإن غرب القمر قبل الشمس كانت الليلة آخر شهر. وهذا هو المقتضى الشرعي المستند على قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته" ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفاً: "إنما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه". المسألة الثالثة: قد يقول أحد المعترضين على الأخذ بعلم الفلك في حال النفي بأن الهلال يولد بعد غروب الشمس ومع ذلك يرى بعد غروب الشمس فكيف يكون ذلك؟. والجواب عن هذا ومن علماء الفلك بأن هذه الحالة تقع في السنة مرة في أحد شهورها. وحقيقة الأمر ان رؤية الهلال بعد غروب الشمس والحال ان الاقتران والولادة لم يحصلا إلا بعد غروب الشمس. هذه الرؤية ليست رؤية حقيقية وإنما هي رؤية سرابية وهي رؤية عاكسة صورة القمر خلف الشمس كعكس المرآة لمن هو خلفها والحال ان صورته فيها أمامه. فصورتها العكسية أن الرائي في المرآة أمامها وهي خلفه والحقيقة عكس ذلك ولهذه الحال مزيد بيان وتوضيح في المسألة الرابعة التالية إن شاء الله. المسألة الرابعة: حول تفسير رؤية متواترة للهلال يقول علماء الفلك بأنه غرب قبل غروب الشمس وهو لم يقترن بالشمس ولم ينفصل عنها - أي لم يولد - إلا بعد غروب الشمس بزمن. ويمكن الإجابة عن هذا بما يلي: 1- يحتمل أن يكون المرئي نجماً أو كوكباً قريباً من الشمس في حجم نقطة تظن هلالاً كعطارد أو المشتري أو زحل. ويذكر لنا أن أخوين في عهد قضاء الشيخ علي بن عيسى رحمه الله في الوشم تقدما إلى فضيلته بالشهادة برؤية هلال شوال وحينما ناقشهما رحمه الله عن الهلال وصفته وموقعه من الشمس وبعده عنها واتجاه قرنيه ظهر له من ذلك عدم دقتهما في الوصف والرؤية فقال: لعلكما رأيتما نجمة فقالا نعم لعلها نجمة فرد شهادتهما: 2- يحتمل أن تكون الرؤية لطائرة أو مركبة فضائية أو قمر صناعي. 3- يحتمل أن تكون حالة جوية كعاصفة أو سحابة أو سراب. 4- يحتمل أن تكون حالة نفسية حيث إن المتحري يخيل إليه شيء فيعتقده حقيقة. 5- يحتمل الكذب في ذلك وهذا أبعد الاحتمالات إلا انه قد يقع. 6- هناك احتمال يتعلق بحالة للهلال في شهر واحد من شهور العام وقد سبقت الإشارة إليه وهذا وقت تفصيله: قد يرى الهلال قبل ولادته إلا أن هذه الرؤية ليست رؤية حقيقية للهلال وإنما هي رؤية لانعكاسه في الأفق خلف الشمس والحال انه أمام الشمس لم يولد بعد وهذه الحال قد يحتج بها على مخالفة القول بأن ولادة الهلال قطعية. وبتفسير هذه الحالة يظهر الرد على القول بالمخالفة وتأكيد القول بقطعية الولادة وتفسير هذه الحال ما يلي: من المعلوم للجميع بالمشاهدة أن الهلال يكون ناقص الاستدارة ومقوساً حتى ليلة تمام القمر يوم خمسة عشر، وفي ليالي هذه الأيام أي في النصف الأول من الشهر يكون نقص الاستدارة - فتحة القوس - من الشرق وتكون استدارة القوس من الغرب وذلك بهذا الشكل: شرق - غرب وفي النصف الثاني من الشهر ينعكس الأمر فتكون فتحة التقويس إلى الغرب وتكون استدارة التقويس إلى الشرق وذلك بهذا الشكل: الشرق - الغرب ويمكن استخدام هذه الظاهرة الكونية في معرفة الغرب والشرق إذا كان الإنسان في البر في الليل واختلف عليه تعيين القبلة للصلاة. فبمعرفته الجهة يستطيع معرفة القبلة. فمتى وجدت حالة رؤية الهلال قبل ولادته فهذه حالة انعكاس أفقي للهلال وهو متقدم على الشمس ولهذا سيكون وضع الهلال بالنسبة للتقويس وفتحة التقويس هو وضعه في النصف الأخير من الشهر ويكون بهذا الشكل: الشرق - الغرب ولو لم يكن هذا الهلال انعكاساً لوضعه قبل ولادته وكانت رؤيته حقيقة لا انعكاساً لكان شكله هكذا: شرق - غرب وتعليل هذه الظاهرة أن تقويس القمر دائماً يكون إلى قربه من الشمس سواء أكان أول الشهر أو آخره، ولو وجدت مناقشة لمدعي الرؤية ومنها أين قرنا الهلال؟ هل هما إلى الشرق أم إلى الغرب؟ لظهرت حقيقة هذه الرؤية هل هي انعكاس أو حقيقة؟ فإن كان قرناه إلى الشرق فهي رؤية حقيقية، وإن كان قرناه إلى الغرب فهي رؤية انعكاسية. وهذا جواب عن هذا الإيراد وتفسير لهذه الظاهرة من أن الهلال قد يرى بعد غروب الشمس والحال انه لم يولد بعد فهذه رؤية سرابية لا رؤية حقيقية.. والله أعلم. المسألة الخامسة: للناظر في الهلال لدخول الشهر وخروجه من الجانب الفلكي أربع حالات هي: 1- المحاق أو الإسرار: وهذه الحال تكون في آخر يوم من الشهر وهي حال تسبق الاقتران بحيث يكون الهلال امام الشمس غربا وهي خلفه شرقا. 2- الاقتران: هو اجتماع الشمس والقمر في خط أفقي طولي تغطي الشمس القمر تغطية كلية بحيث لا ينعكس ضوء الشمس على القمر ولا على أي جزء منه وهو في فترة قصيرة يعقبها ولادة الهلال. 3- الولادة: هي بداية افتراق نقطة مركز القمر عن خط الاقتران او عن المستوى الأفقي الذي يحتويه، وبداية امكانية انعكاس ضوء الشمس في اتجاه الأرض عن طريق سطح القمر مهما كانت هذه الكمية من الضوء صغيرة، وهذا يعني بطريقة ميسرة ان الرائي من الأرض يرى الهلال خلف الشمس والشمس أمام الهلال فيظهر بالولادة نور الشمس على جزء يسير من سطح القمر. 4- امكان الرؤية: أجمع علماء الفلك على أن ولادة الهلال تتم في لحظة محددة بالدقيقة ان لم تكن محددة بالثانية، وانما يختلفون في امكان رؤية الهلال بعد الولادة فبعضهم يقول: لا يمكن رؤيته وان كان مولودا الا اذا كان الهلال على زاوية افقية محددة بدرجة معينة وعلى ارتفاع درجات معينة بعضهم يقول بثماني درجات وبعضهم يقول ست او خمس او اقل من ذلك، فهذه مسألة محل اختلاف بينهم مع اتفاقهم جميعا على تحديد وقت الولادة، وهذا الاختلاف هو الذي اوجد خلطا بين علماء الشريعة وفقهائها قديما وحديثا فلم يفرقوا بين الولادة وبين امكان الرؤية من عدمه، فطنوا ان الاختلاف في امكان الرؤية هو اختلاف في تحديد الولادة، والذي ندين الله به جمعا بين النصوص الشرعية والنتائج القطعية للفلك ان الرؤية تثبت بالشهادة بها بعد الولادة وغروب الشمس قبله وان دخول الشهر او خروجه يجب ان ينحصر اثباته بالرؤية بعد الولادة ولو قال الفلكيون بولادة الهلال قبل غروب الشمس ولم يُر الهلال فلا يجوز الأخذ بالاثبات الفلكي وحده بل يجب ان تنضم اليه الشهادة بالرؤية. كما لا يجوز تقييد رؤية الهلال بعد ولادته وغروب الشمس قبله بامكان الرؤية وتقييد الامكان بزاوية معينة او درجة معينة، فمتى ولد الهلال وغربت الشمس قبله وجاءت الشهادة بالرؤية تعين اعتبار الشهادة بالرؤية من غير اعتبار للإمكان، واما اذا غربت الشمس قبل الولادة وجاء من يشهد برؤية الهلال بعد غروب الشمس فيجب رد هذه الرؤية حيث ان رؤية الهلال منتفية قطعا في هذه الحال وعليه فيجب اعتبار الحساب الفلكي في حال النفي دون حال الاثبات اما مسألة امكان الرؤية من عدمها بعد ولادة الهلال وغروب الشمس قبل غروب القمر فيجب عدم الالتفات الى ذلك وتحدث شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة الهلال المنقولة في مجموع فتاواه الجزء الخامس والعشرين بما يقارب عشر صفحات وذلك باعتراضه على رد الشهادة بالرؤية بحجة عدم امكانها وهو اعتراض وجيه وحق وقد ايد هذا الاعتراض الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في رسالته فقال: اذا وجب الرجوع الى الحساب وحده بزوال علة منعه وجب ايضا الرجوع الى الحساب الحقيقي للأهلة واطراح امكان الرؤية وعدم امكانها فليكون اول الشهر الحقيقي الليلة التي يغيب فيها الهلال بعد غروب الشمس ولو بلحظة واحدة. أ.ه . المسألة السابعة: ليس القول بالعمل بالحساب الفلكي في مسألة اثبات دخول الشهر وخروجه ليس القول بذلك من نوازل العصر ومستجداته وانما وجد لبعض علمائنا قديما وحديثا تعرض لذلك ولهم اقوال في حكم العمل به ومن هؤلاء: 1- ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى الجزء الخامس والعشرين في رسالة الهلال ص 181ما نصه: وأما الفريق الثاني فقوم من فقهاء البصرة ذهبوا الى أن قوله صلى الله عليه وسلم (فقدروا له تقدير حساب بمنازل القمر) وقد روي عن محمد بن سيرين قال: خرجت في اليوم الذي شك فيه فلم ادخل على أحد يؤخذ منه العلم الا وجدته يأكل الا رجلا كان يحسب ويأخذ بالحساب، ولو لم يعلمه كان خيرا له، وقد قيل إن الرجل مطرف بن عبدالله بن الشخير - الى أن قال - وقد حكى هذا القول عن ابي العباس ابن سريج ايضا وحكاه بعض المالكية عن الشافعي ان من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر ولم يتبين له من جهة النجوم ان الهلال الليلة وغم عليه جاز له ان يعتقد الصيام ويبيته ويجزئه - وهذا باطل عن الشافعي - الى أن قال - وانما كان قد حكى ابن سريج وهو كان من أكابر أصحاب الشافعي نسبة ذلك اليه اذ كان هو قائم بنصر مذهبه. أ. ه . وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في الجزء الخامس والعشرين من مجموع فتاواه ص 131ما نصه: بلغني ان من القضاة من يرد شهادة العدد من العدول لقول الحاسب.. انه يُرى أو لا يُرى. أ.ه أقول ياليت شيخ الاسلام رحمه الله اخذ بالدقة في التعبير كعادته فقال مثلا: نسبة ذلك شيخ الاسلام عن بعض فقهاء اهل البصرة وبعض القضاة في قولهم بالحساب في اثبات دخول الشهر وخروجه دليل على أن المسألة ليست حديثة الإثارة بل كان القول بالعمل في الحساب في الاثبات محل نظر لدى فقهاء الاسلام وقد كان هذا في عهد لم تكن وسائل الكشف والايضاح ونتائج التجارب والمعطيات العلمية مثل المراكب الفضائية والمراصد المتطورة والتقنيات المتقدمة في الكشف والاطلاع كما هو الآن متوافر ومتمثل في اختصاصات علمية وفي مراكز البحوث والتجارب. 2- جاء في قرار مؤتمر وزراء الأوقاف المنعقد في الكويت عام 1409ه التأكيد على الأخذ بالحساب في مسألة اثبات دخول الشهر وخروجه على اعتبار الحساب في حال نفي الحساب رؤية الهلال لغروبه قبل الشمس حيث جاء في الفقرة الأولى من القرار النص على ذلك وان هذا القول قول مجموعة من أهل العلم من فقهاء المسلمين منهم ابن تيمية وابن القيم والقرافي وابن رشد وجاء في الفقرة الثالثة من القرار ان اثبات دخول الشهر يجب ان يعتمد على الشهادة انظر العدد 27من مجلة البحوث الاسلامية حاشية على البحث لأحد الاخوان في الاعتراض على الأخذ بالحساب من 118الى ص 3.191- قال الشربيني في مغني المحتاة ج 2ص 154ما نصه: لو شهد برؤية الهلال واحد أو اثنان واقتضى الحساب عدم امكان رؤيته قال السبكي لا تقبل هذه الشهادة لأن الحساب قطعي والشهادة ظنية والظني لا يعارض القطعي واطال في بيان رده هذه الشهادة أ.ه 4- قال تقي الدين السبكي في فتاواه ما نصه: إن الحساب اذ دل بمقدمات قطعية على عدم امكان رؤية الهلال لم يقبل فيه شهادة الشهود، وتحمل على الكذب او الخطأ.. لأن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان والظن لا يعارض القطع فضلا عن أن يقدم عليه والبينة شرطها ان تكون ما شهدت به ممكنا حسا وعقلا وشرعا الى آخر ما ذكر. 5- وقال الشيخ مصطفى الزرقاء بعد أن اعتذر عن علمائنا الأقدمين في رفضهم الأخذ بالحساب لأنه في ذلك الوقت كان مبنيا على خلطه بعلم التسيير وتأثير الكواكب وان نتائجه كانت مبنية على الحدس والتخمين وانه الآن قد تطور وأصبحت نتائجه قطعية الثبوت وان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الأخذ في دخول الشهر بانه هكذا وهكذا وهكذا، بأن الأمة أمية ولا يكلف الله نفسا الا وسعها قال بعد ذلك: فاذا ورد النص معللا بعلة جاءت معه من مصدره فإن الأمر يختلف ويكون للعلة تأثيرها في فهم النص وارتباط الحكم به وجودا وعدماً في التطبيق. 6- قال الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله في رسالته: أوائل الشهور العربية جاء فيها ما نصه: قد كان للاستاذ الأكبر الشيخ المراغي منذ أكثر من عشر سنين حين كان رئيس المحكمة العليا الشرعية رأي في رد شهادة الشهود اذا كان الحساب يقطع بعدم امكان الرؤية كالرأي الذي نقلته هنا عن تقي الدين السبكي، واثار رأيه هذا جدلا شديدا وكان والدي وكنت أنا وبعض اخواني ممن خالف الاستاذ الأكبر في رأيه ولكني اصرح الآن بانه كان على صواب وازيد عليه وجوب اثبات الأهلة بالحساب في كل الاحوال الا لمن استعصى عليه العلم به، وما كان قول هذا بدعا من الأقوال ان يختلف الحكم باختلاف أحوال المكلفين فإن هذا في الشريعة كثير يعرفه أهل العلم وغيرهم) أ. ه . (ص: 15من الرسالة نشر مكتبة ابن تيمية لطباعة ونشر الكتب السلفية). ما ذكره فضيلة الشيخ أحمد شاكر وما جاء في قرار مؤتمر الكويت عام 1409ه يتضح منه ان القول باعتبار الحساب الفلكي في حال النفي ورد الشهادة برؤية الهلال قبل ولادته وغروبه قبل غروب الشمس قول مجموعة من علماء المسلمين قديماً وحديثاً ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والقرافي وابن رشد والشبكي وابن سريج وعبدالله ابن مطرف وأحمد شاكر ومصطفى الزرقاء وغيرهم من علماء المسلمين. المسألة السابعة القول بأن الأخذ بالحساب مطلقاً مناف للنصوص الشرعية من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. هذا القول فيه حق وباطل أما الحق فصحيح ان القول بالأخذ بالحساب الفلكي في اثبات دخول الشهر وخروجه دون النظر إلى الرؤية الشرعية للهلال في الاثبات هذا القول يظهر لنا بطلانه ومنافاته للنصوص الشرعية من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، إذ لا شك ان علماء الأمة الإسلامية إلاّ من شذ مجمعون على ان دخول شهر رمضان وخروجه لا يتم إلاّ برؤية الهلال لا بالحساب الفلكي، قال الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقال صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته..) الحديث. وأما الباطل من هذا القول فهو الأخذ بشهادة من يدعي الرؤية - بعد إجراءات تعديله - وذلك قبل ولادة الهلال إذ هي شهادة لم تنفك عما يكذبها إذ كيف يرى الهلال متخلفاً عن الشمس بحيث تغيب قبل غيابه والحال أنه لم يولد بعد فهو لا يزال متقدماً على الشمس فهو غربها وهي شرقه. فهي شهادة باطلة لا يجوز سماعها فضلاً عن قبولها فنحن حينما نقول بالأخذ بالحساب الفلكي نحصر هذا القول في النفي دون الاثبات فإذا قال علماء الفلك بأن الهلال لا يولد إلاّ بعد غروب الشمس وجاء من يشهد برؤيته بعد غروب الشمس والحال أنه لم يولد فهذه الشهادة غير صحيحة وباطلة وان كانت من جملة شهود عدول. فهذا وجه الأخذ بالحساب فيما يتعلق بالنفي. أما إذا كان الهلال مولوداً قبل غروب الشمس وغربت الشمس قبل غروبه ولم يتقدم بالشهادة على رؤيته شاهد أو أكثر فلا يظهر لنا جواز اثبات دخول الشهر بالحساب والحال أنه لم يتقدم شاهد برؤيته. وقد أحسن مجلس القضاء الأعلى في قراره عدم ثبوت دخول شهر رمضان يوم الأحد الموافق 2003/10/26م فقد كانت ولادة الهلال حاصلة قبل غروب شمس يوم السبت الموافق 1424/8/29ه، إلاّ ان الهلال لم ير ذلك اليوم بعد غروب الشمس في بلادنا السعودية فأصدر المجلس قراراً بأن يوم الاثنين هو اليوم الثلاثون من شهر شعبان لعام 1424ه . وهذا التصرف من المجلس عين الحق، حيث ان المعتمد في الاثبات على الرؤية فقط دون الحساب إذا كانت الشمس قد غربت قبل الهلال. والقول برد شهادة من يشهد برؤية الهلال بعد غروب الشمس والحال ان الشمس غربت قبل ولادة الهلال قول صحيح لا يتنافى مع النصوص الشرعية من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وذلك لأن الشهادة معتبرة إذا سلمت عما يؤثر على اعتمادها وقبولها. ومعلوم ان للشهادة موانع قبول ومن أهم موانع قبول الشهادة ان تكون مرتبطة بما يكذبها ولا شك ان غروب الشمس قبل ولادة الهلال يعد أقوى مانع لرد شهادة من يشهد برؤية الهلال بعد غروب الشمس والحال أنها غربت قبل الولادة. فنحن بهذا لم نرد قول الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ولا قول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته)، وإنما رفضنا شهادة باطلة من شاهد هو وأهم أو كاذب في شهادته. فليس في الأمر رؤية صحيحة للهلال حتى يقال بمصادمة رد هذه الشهادة للنصوص الشرعية، فالهلال لم يولد بعد وقد غرب قبل غروب الشمس. وبهذا يتضح الأمر بأن الأخذ بالحساب فيما يتعلق بالنفي ليس فيه مصادمة لنص من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. المسألة الثامنة حول اقتراح إيجاد مرصد أو أكثر وحصر الرؤية الشرعية في المراصد ورفض أي رؤية بصرية إذا لم تكن بواسطة المرصد. لا شك ان هذا الاقتراح وسيلة قوية في التحري والتحقيق والتدقيق، ولكن قد يكون فيها ما يتعارض مع النص الشرعي: صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته. فإذا كانت الشمس قد غربت قبل الهلال ولم ير الهلال بواسطة المرصد ولكن جاءنا عدل ثقة يشهد برؤيته الهلال. وشهادته منفكة عما يكذبها فرسولنا صلى الله عليه وسلم يأمرنا بقبول هذه الشهادة بالرؤية الامتثال لقبولها بالصوم وسواء أكانت الرؤية بالعين المجردة أم بالنظارة أو بالتلسكوب أم بالمرصد والحال ان الشهادة بالرؤية منفكة عما يكذبها، حيث إن الشمس غربت قبل غروب الهلال حسب الافادة الفلكية أما إذا كانت الافادة الفلكية صريحة في ان الهلال غرب قبل الشمس فيجب رد أي شهادة بالرؤية مهما كان طريق الشهادة بها ومهما تعدد مدعوها وقد سررت من ربط إدارة الفتوى في مصر بالمعهد القومي لعلوم الفلك في حلوان وضرورة التنسيق في ترائي الهلال بين إدارة الفتوى ومعهد حلوان. وكم أتمنى ان يكون لدينا تنسيق بين الجهة المختصة باثبات الهلال وبين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية المختصة بعلوم الكون والفلك، كما أتمنى عقد ندوة بين علماء الفلك في بلادنا وبين مجموعة من رجال العلم لدينا ومنهم رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء ورئيس وأعضاء اللجنة الدائمة للبحوث والافتاء لبحث مسائل الهلال، الاقتران، الولادة، إمكان الرؤية، وذلك لتقريب وجهات النظر المتباعدة في ذلك وتضييق دائرة الخلاف في الاثبات. وبعد إيراد هذه المسائل يطيب لي الدخول في إعداد بيان أوائل الشهور رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذي الحجة لعام 1429ه وشهر محرم لعام 1430ه كما وعدت والله المستعان.