يقف الإسلام السياسي، المتمثل في الحركات الأصولية الراديكالية، موقف العداء المعلن، من كل خطوة إيجابية، يراد لها أن تجترح مساحة أكبر من التسامح، ومن ثم، تعزيز روح السلام العالمي. إنهم يعلنونها حربا ضد كل حوار بين الأديان والمذاهب، لصالح روح التعصب والكراهية والعداء بين الأديان والحضارات. إنهم يدركون أن العقائد موجهات سلوكية لأكثر الشعوب. ولهذا، لا يريدون سلاما بين الأديان ؛ لأنه سيؤدي بالضرورة إلى نوع من ( السلام النسبي ) بين الشعوب، يجعل من المستحيل الاقتيات على ذهنية الصراع. طبيعي، من وجهة نظر المصلحة المباشرة، والخاصة بالحركات الأصولية، أن تعارض هذه الحركات، الحوار بين الأديان والمذاهب. فهي قامت - أساسا - على: فرضية صراع دائم. ومجدها الحركي، إنما ينمو ويتعزز في لحظات توهج روح العداء الديني والمذهبي بين البشر. وهذا ما يجعل من طرحها الديني الذي تشحن به طاقة العداء، طرحا يتجاوز حدود الرسالة السامية للأديان، إلى أن يكون أداة لتحقيق أكبر قدر من المصالح الخاصة / الدنيوية على أرض الواقع. حركات الإسلام السياسي، وجيوبها من الخلايا النائمة، ليست كيانات دينية، وإنما هي حركات نفعية تسلطية، تسعى لفرض نفوذها ؛ بواسطة تعزيز الوهم الذي يؤكد على حتمية الصراع بين الأديان وأزليته. عندما يتم تقويض هذا الوهم، وتحديد مسارات مدنية حقوقية، واضحة للتعايش، لا تخسر هذه الحركات عوائد وجودها الحركي، وإنما تخسر مبرر وجودها من الأساس. من سوء حظ هذه الحركات المتطرفة، ومن حسن حظنا، أنها وجدت في الزمن الخطأ. هذه الحركات كان لها نظير في التاريخ. وكانت تجني الكثير، بل - أحيانا - تقوم على أكتافها دول وتزول دول أخرى. وقد منحت كوادرها عبر التاريخ رصيدا من المجد المادي والمعنوي، لا يزال أثره باقيا إلى الآن. لكن، لم يعد الزمن زمن مفاصلة، وإنما زمن تواصل، تواصل يفرض بقوة شرط المعاصرة على الجميع. رغم كل ما حدث ويحدث من احتراب دام، ودعوات أصولية عدائية، أو عنصرية شوفونية، فعصرنا الذي بدأ يتخلّق في القرن الحادي والعشرين، هو عصر التعارف الجماهيري والثقافي، وعصر الاعتراف المتبادل بين الكيانات الكبرى والصغرى. لم يسبق أن اطلعت الشعوب على حياة بعضها، كما هو حادث الآن. كل الخصوصيات الثقافية التي كانت محاصرة بفعل السياسة أو الجغرافيا أو الدين، افتض الإعلام المعاصر مغاليقها التاريخية، وأزال وهم شرفها الخاص، وجعلها معروضة للجميع، على مدار اليوم، في كل بيت، بل وفي كل غرفة، من هذا الكوكب الأرضي، الذي أصبح صغيرا بل وصغيرا جدا. هذا الإعلام المتعولم، الذي بدأ يعرّف الجميع بالجميع، ويسقط أوهام الجميع عن الجميع، تسبب - ولأول مرة في التاريخ - في جعل الثقافات المنغلقة على ذاتها وأوهام خصوصيتها ؛ تعي أن الآخرين بشر!. لا أقصد أنهم كانوا يتصورونهم - معرفيا - خارج نطاق البشرية - حتى وإن وُجد ذلك في بعض الثقافات البدائية المنحطة - وإنما أعني: أنهم بدأوا يتعاطون معهم - نفسيا - في إطار مفهوم البشرية الذي يعي الإنسان، من خلال كونه إنسانا ؛ قبل أي شيء آخر. ليس المهم أن تعرف - كتصور عقلي - بشرية الآخر، وإنما المهم أن تحس بكل حواسك، ويتعمق في وجدانك، أن الآخرين ليسوا مختلفين عنك في آدميتك. وهذا ما حدث بفضل هذا الإعلام، إذ عرفت الثقافات التي كانت منغلقة على ذاتها، أن الآخرين بشر، يأكلون مما تأكل منه، ويشربون مما تشرب منه، ويحزنون كما تحزن. بشر، يحبون العدل، ويكرهون الظلم، يحبون ذويهم، ويحزنون لفراقهم، ويأملون بمستقبل واعد لأجيالهم. بشر يغتبطون - كما يغتبط غيرهم - بامتلاك الحقيقة الكاملة عن الوجود وما وراء الوجود، عن الحياة وعن الموت. بشر لا يتصورون أن غيرهم يمتلك شيئا من صواب، كما يعتقد الجميع عن الجميع. هذا الوضع، هو الذي جعل كل ثقافة في مواجهة العالم كثقافة. لم تعد ثقافة تواجه ثقافة، وإنما ثقافة تواجه هوية العصر التي بدأت - للتو - تتكون. وهنا، ستجد الأصوليات نفسها خارج العصر، خارج إمكانات الحضور. ولأنها لا تستطيع أن تحضر - إيجابيا - بهويتها الصراعية في هذا السياق، فستعمل على الشغب على هذا السياق الكوني الجديد، وستحاول - ولو بالعنف - تفجير بؤر الصراع ؛ كي يعود العالم إلى مرحلة الصراع الذي يحرك بواسطة الأديان والمذاهب، ومن ثم، يستطيع البقاء والازدهار. إن هذه الأصوليات التي تشكل رأس الحربة في محاربة حوار الأديان، ومن ثم، رأس الحربة في صناعة وضعية الصراع، لا تقتصر على الأصوليات الدينية الإسلامية، ولا على مذهب إسلامي دون آخر، بل هي أصوليات في كل دين وكل مذهب. وكلها آلات رهيبة لإنتاج ثقافة العنف والصراع، بل وللتشريع له ؛ ليأخذ طريقه من التاريخ إلى الأزل. لكن، تبقى الأصوليات الإسلامية - لأكثر من سبب تاريخي وآني - هي صاحبة الحراك الصاخب الآن، بل هي الحركات العنفية التي تطرح العنف الدامي بمبررات دينية صريحة ؛ بحيث تضطر الآخرين لربط العنف بالإسلام. وذلك أنها بهذا التبرير، لا تجعل من العنف الذي يقوم به المنتسبون للإسلام، مجرد عنف مسلمين، وإنما عنف إسلام. ولأن مسألة بقاء وضعية الصراع، أصبحت مسألة وجود، بالنسبة لهذه الحركات الإسلاموية، فهي تستغل السذاجة الجماهيرية التي تتصف بها الأغلبية الساحقة من جماهير الإسلام اليوم. هذه الجماهير، ولأسباب تتعلق بكونها لم تخرج بعد من أسر ثقافتها البدائية الغرائزية، مشدودة - دائما - إلى خطاب الخرافة، الذي يوقظ فيها أشد المشاعر بدائية وانحطاطا. وعلى هذه الحال، يكفي أن تسمع هذه الجماهير الصوت الأصولي الصاخب، الذي يؤكد لها أن دينها في خطر، أو أن خصوصيتها منتهكة، أو أن ( شرفها! ) محل تآمر عالمي ؛ حتى تتحفز للصراع، بل وحتى تقع - شعرت أم لم تشعر - في مستنقعه الآسن، الذي يمتاح منه الأصولي - مغتبطا - ما يحفظ به وجوده واستمراره. بدون سذاجة الجماهير البائسة، وانسياقها القطيعي وراء الضاربين على إيقاع العواطف، لا يمكن أن يمرر الأصولي المتطرف مقولات التشكيك والتخوين، بل و التكفير، لمحاولات ترسيخ مبدأ الحوار بين الأديان والمذاهب. المجتمعات الواعية، هي التي تقود - بزخمها الثقافي المستنير - متطرفي الأصولية إلى طاولة الحوار الديني والمذهبي. بينما المجتمعات المتخلفة، تقودها الأصوليات المتطرفة، فتخرجها من تسامحها الفطري - القائم على المحبة المبدئية بين البشر- إلى جهنم الكراهية والصراع والاحتراب. تمارس هذه الأصوليات المتطرفة، تضليلها المتعمد للجماهير، بواسطة دعاوى عقائدية، تمنحها الصبغة الدينية ذات البعد التقديسي ؛ كي تلتهمها هذه الجماهير، كيقينيات لا تقبل الجدل، فضلا عن الاعتراض البريء. وكي نرى تهافت هذه الدعاوى، نستعرض منها ما يلي: 1- الآخرون يريدون خداعنا، والتلبيس علينا، وإشغالنا عن حقيقة عدائهم الذي نراه على أرض الواقع. وطبعا، كل دين له آخرون، داخل كل دين، مذاهب وطوائف تدعي أن الآخرين يتآمرون عليها، وداخل كل طائفة تيارات وتحزبات، تدعي أن بقية التيارات تتآمر عليها. وهكذا تتعزز ذهنية التآمر، وسوء القصد، لأن كل طرف يفترض نفسه بريئا ومظلوما من قبل الآخرين. ومن أجل تأكيد هذه الوهم، تمارس الأصوليات مطابقة مفتعلة، بين السياسات العالمية من جهة، والتشكلات الدينية والمذهبية من جهة أخرى. فالأصولية الإسلامية تؤكد لجماهيرها، أن الغرب يخدعنا من خلال الحوار ؛ لأن كثيرا من الشعوب الإسلامية متخلفة ومضطهدة. وطبعا!، مضطهدة من قبل الغرب. وهذا الغرب بالضرورة غرب مسيحي. وبما أن الجماهير لا تعرف الحقيقة التي تكونت في الغرب منذ قرنين، أي منذ الثورة الفرنسية، وهي أن الدين لم يعد المحرك للسياسة في الغرب، وإنما تحركها المصالح المادية ؛ قبل كل شيء، وبعد كل شيء أيضا. بعد هذا التطابق القسري المدعى بين الدين المسيحي، وبين سياسات الغرب، تحضر المظلومية ؛ كي تستدر العواطف. تقول الأصولية لجماهيريها: انظروا ذات اليمين وذات الشمال ؛ فلن تجدوا المسلمين إلا مضطهدين ومتخلفين. والسبب - كما تروج جماهيريا - هو الغرب المسيحي. وتسأل جماهيرها، بمكر ساذج: هل يستحق هذا الغرب الذي يقدم لنا الاضطهاد بيد، ويقدم لنا الحوار بيد أخرى، أن نمد له يد التسامح والحوار؟!. ومع سذاجة هذه المطابقة، ومع لا معقوليتها، ولا واقعيتها، فهي تتكئ - في إقناعها الكبير - على بساطة التفكير الجماهيري، وليس على نصيبها من الواقعية أو المعقولية. فقوتها ليست ذاتية، وإنما هي في هشاشة وعي المتلقي، الذي يستسلم - فيما يشبه الغفوة - لها، ويبدأ في تصور العالم في صورة فسطاطين!، لا ثالث ولا رابع ولا خامس لهما. 2- الضرب على وتر المسلمات العقائدية. فنحن - كمسلمين - لنا مسلماتنا العقائدية التي هي ثوابت الدين، والتي لا نتنازل عنها، تحت أي ظرف ؛ وفي أي سياق. والآخرون - غير المسلمين - كذلك، في مواقفهم من عقائدهم. لكن، الأصوليات - كحركات تستغل الدين لصالحها - تقوم بابتزازنا ؛ من خلال التلاعب في طرح هذه المسلمات، في سياق حوار الأديان، حيث تدعي - تلبيسا وتدليسا - أن هذه الثوابت سوف تزول من خلال الحوار، وأن من يقدم على الحوار مع الآخر، فإنه قد تنازل - مقدما - عن عقيدته، لصالح هذا الآخر. الذهنية الأصولية لا تعي - ولا تريد أن تعي - أن الحوار الديني لا يكون بين المتطابقات، وإنما شرطه الاختلاف، وأن هذا الاختلاف محل اعتراف جميع الأطراف، ولا يقصد من الحوار إلغاءه، وإنما يقصد فهمه، وتحديد الكيفية التي يبقى بها ؛ دون أن يؤثر - سلبا - على الآخرين. لم يدّعِ أحد أن الحوار يقصد به تنازل أي طرف عن عقيدته، وإنما قصد به الفهم، والتأكيد على المشتركات الدينية والإنسانية، كالتأكيد على حقوق الإنسان، وحسن التعامل بين البشر جميعا، ومواجهة الاستغلال، والتصدي للانحلال الخلقي، والدعوة إلى الحفاظ على البيئة، بتوظيف الأديان في هذا المجال. .إلخ. ولكي يهوّل الأصولي المتطرف من حجم التنازلات، يذهب إلى صلب العقائد، حيث المحور الأهم، فيزعم أن الحوار بين المسيحية، هو حوار للتوسط بين الإله الواحد عن المسلمين، والتثليث عند المسيحيين ؛ ليتم الاتفاق على اثنين، بدلا من الواحد التثليث. ولك أن تتصور الجماهيري البسيط، عندما يسمع هراء كهذا الهراء، الذي يراد منه تصوير الحوار بين الأديان، وكأنه مشروع اتفاق على الكفر. مما يعني - بالضرورة - تكفير دعاة الحوار، وتكفير ممارسيه من علماء ومفكرين. وهو تكفير ضمني، يتسرّب - بفعل الثقة العمياء - من تنظيرات وتعميمات المتكسبين بترويج خطاب الإسلام السياسي، إلى وعي الجماهير، التي لا تفرق - غالبا - بين العلماء المتجردين، وبين تجار الأصولية، الذين يصنعون أمجادهم من خلال تفريغ عقول جماهير البسطاء. 3- بعض الأصوليات لا تنكر أنها خطابات مفاصلة. وهذه المفاصلة التي يتم الإلحاح عليها في هذه الخطابات، ليست مفاصلة تمايز ووضوح واختلاف ؛ بحيث تصبح مفاصلة سلمية، تحفظ استقلال كل عقيدة بهويتها، وإنما هي مفاصلة عداء وكراهية، كراهية تتم شرعنتها، ووضعها في أصول الأصول من البنية العقائدية ؛ حتى لا يتم التفريط فيها، ولو مع أقرب الأقرباء. يدعي هؤلاء أن سلامة المعتقد لديهم تقوم - في شطره المرتبط بنيويا مع الشطر الأول: الاعتراف بالدين - على كراهية المنتسبين للأديان الأخرى، حتى ولو كانوا مسالمين، بل حتى ولو كانوا يحسنون إلينا صنعا. وهذا يبين أن الكراهية هنا مطلوبة لذاتها، أي لمحض الاختلاف، حتى ولو كان الآخر المختلف يفعل كل ما يؤدي - في الوضع الطبيعي الفطري - إلى المحبة والمودة. لا يلتفت هؤلاء الممتلئون كراهية - إلى درجة البحث عن موضوع مكروه، موضوع يخفف عنهم هذا الاحتقان المرضي بالكراهية - إلى أن الحيوان - فضلا عن الإنسان الطبيعي - يتعلق بالمحسنين إليه. بل إن الحيوانات المتوحشة بطبعها، يتم - أحيانا - ترويضها بالإحسان المتكرر، الذي يكون كفيلا بتقليص طبيعة التوحش فيها. هؤلاء - بحماقاتهم - يسيئون إلى الإسلام، ويظهرونه على أنه دين كراهية، لمجرد الاختلاف الديني. ولك أن تتخيل بقية أتباع الديانات الأخرى، عندما يطلعون على مثل هذا الخطاب المتوحش، الخطاب الذي ينزّ بالعداوة والبغضاء للمخالفين، كيف يسكون انطباعهم عن الإسلام؟، هل من المتوقع أن يتسامحوا مع الإسلام - فضلا عن أن يعجبوا به، ويعتنقوه - ؛ عندما يصلهم بواسطة خطاب كهذا الخطاب العدائي؟، هل من المعقول أن يقبلوا بوجود مسلمين يواطنونهم أوطانهم، وهم يدركون أنهم يخفون لهم كل هذا القدر من الكراهية؟. 4- يقوم هؤلاء الأصوليون بالتأكيد على التاريخ الصراعي بين الإسلام والأديان الأخرى، عندما كانت الصراعات ذات طابع ديني. وهو يرون أن المؤتمرات الحوارية بين الأديان،تؤدي إلى نسيان أو تناسي هذا التاريخ الصراعي. وهذا - في تصورهم - خسارة عقدية كبيرة ؛ لأنهم يرون أن الصراع لا بد أن يستمر ؛ لتستمر العقيدة متوهجة في قلوب أتباعها، وكأن لا عقيدة متوهجة وفاعلة - إيجابيا - في الواقع ؛ إلا بصراع دموي مع الآخرين. إنهم يدركون أن الحوار بين الأديان والمذاهب، يجعل فرص الصراع - الذي يتضرر من الجميع - تتضاءل إلى حد كبير، وإن حدث صراع ما، فلا يكون ذا طابع ديني، فالصبغة الدينية تؤبد الصراع وتعممه، وإنما يكون محدودا بحدود الظرفية المكانية والزمانية للصراع. ولا شك أن هذا البعد الإيجابي لتحييد الأديان، والنأي بها عن كل صراع، لا يتفق مع مصالح تجار الإسلام السياسي، الذي يرون أن بضاعتهم - حينئذٍ - ستكون مزجاة. ولكي يأخذ المكر الأصولي مداه في التأثير العميق، يقوم بطرح هذه الدعاوى ذات البعد العدائي، مشحونة بأكبر قدر من النصوص ؛ ليوهم الجماهيري البائس، الذي لا يستطيع تحقيق العلائق الاستدلالية وفرزها، ووضعها في سياقاتها، أنه يتحدث - مباشرة - بلسان الدين الخالص، بل وبلسان أقدس مقدسات الدين: الكتاب والسنة. ولهذا، سرعان ما يوصي الأصولي - بعد طرح هذه الدعاوى مباشرة - بضرورة الالتزام بكتاب الله وسنة نبيه ؛ ليوهم المتلقي أن كل ما سبق من دعاوى هي مقدسة، بدرجة قداسة الكتاب والسنة، إذ هي - في سياق هذا الادعاء الماكر - معبرة عن منطقهما الكلي. على هذا النحو البسيط من الخداع الأصولي، وبسبب الطبيعة التلقينية التي نشأ الجماهيري عليها ؛ فأفقدته البعد النقدي لما يرى ويسمع ويشاهد، يقع هذا الجماهيري المتدين لله، فريسة هذا المكر ؛ فيتوهم - مخطئا - أنه إن رفض هذا الخطاب الأصولي، المتمثل في هذه الدعاوى، فإنه إنما يرفض الكتاب والسنة. ولأن أعز ما على الإنسان دينه، الذي يحدد له المستقبل الأبدي، تجده - دون اعتراض أو شبه اعتراض - يسلم عقله للمقصلة الأصولية، متوهما أنه بهذا يرضي الله. وهكذا، وعلى نحو غير واعٍ، وبينما هذا الجماهيري مغتبط بهذا الإذعان المقدس، يبدأ رحلة السقوط في الهاوية، ولا يعي نفسه إلا وهو غارق في مستنقع التكفير الصريح. وهنا، يفرك الأصولي المتطرف يديه بفرح ظاهر، فقد أصبح يمتلك الوقود الكافي من البشر الطيبين البسطاء ؛ ليحقق طموحات الهيمنة، تلك الطموحات التي هي المحرك الأساس لجميع أنواع السلوك الأصولي.