استعرضنا من خلال المقالين السابقين واقع نظام الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية بالمملكة وأوجه الإشكالات التي تعترض تنفيذها على الوجه المطلوب. والمخاطر التي قد يتعرض لها الاقتصاد السعودي جراء التهاون في التطبيق الصارم لأنظمة الملكية الفكرية. وسنختتم هذا الموضوع باستعراض ما يتأمله المهتمون بحقوق الملكية الفكرية بأن يصبح السوق السعودي مثالاً للتطبيق الفعال لحماية الحقوق الفكرية وإنفاذها بما يتماشى وثقافة المجتمع السعودي وأخلاقياته التي تنكر التعدي على حقوق الغير، أو التلاعب بسلامة وصحة المستهلكين. فقد رأينا أن المملكة استكملت أنظمة حماية حقوق الملكية الفكرية وفقاً للمفاهيم الحديثة لفروع الملكية الفكرية المعروفة عالمياً، وبما يتماشى مع نظامها الأساس المستمد من الشريعة الاسلامية. ويبقى الدور على الجهات المسئولة عن إنفاذ الحماية في الواقع العملي، وإشعار أصحاب الحقوق الفكرية والمستهلكين أنهم في حماية النظام ضد محاولا ت من يسعون الإثراء على حساب حقوقهم، أو صحة وسلامة المواطنين. وتلك الجهات هي السلطات التنفيذية والقضائية المناط بها إنفاذ الحماية. ولو أجرينا دراسة لأكثر فروع الملكية الفكرية عرضة للقرصنة والتقليد بالمملكة، لوجدنا أن برامج الحاسب الآلي بأنواعها تأتي في المقدمة، يليها العلامات التجارية، ثم المصنفات السمعية والبصرية. أما براءات الاختراع، والنماذج والرسوم الصناعية فهي أقل الفروع تضرراً. فالإشكالات بهذا المجال تتمثل في التظلمات من طول إجراءات التسجيل في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية والتي شهدت في الآونة الأخيرة تطوراً في آليات عملها، وذللت الصعاب التي تواجه المخترعين أو وكلائهم عند الرغبة في تسجيل مبتكراتهم. ونعتقد أننا بحاجة إلى تفعيل نظام متكامل لحماية برامج الحاسب الآلي، بحيث لا يقتصر على جهود وزارة الثقافة والإعلام وحدها . بل يتعين إشراك جهات أخرى في تنفيذ النظام مثل هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات. فهي الجهة المناسبة لإنفاذ أنظمة حماية برامج الحاسب الآلي، ونظام مكافحة الجرائم المعلوماتية ولو تطلب الأمر تعديلاً في نظام حقوق المؤلف بما يكفل إعطاء الهيئة الدور الذي يجب أن تقوم به . وهذا هو المطبق في الكثير من الدول. فوزارة الثقافة والإعلام مهيأة لأن تتولى تنفيذ الأنظمة ذات العلاقة بحقوق التأليف والملكية الفنية والحقوق المجاورة لحق المؤلف، كحقوق المنتجين، والممثلين وأصحاب المصنفات السمعية والبصرية، وقنوات البث الفضائي. فهذه الموضوعات تدخل في صميم عملها، وتجيد التعامل معها. أما مكافحة جرائم القرصنة، والجرائم المعلوماتية، فيستحسن أن يتصدى لها الجهاز الأمني بالتعاون مع هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، وأن يعطى الصلاحيات النظامية لتنفيذ هذه المهام . فهو الأقدر على فرض هيبة النظام واحترامه. فقد رأينا كيف أدت الحملات الأمنية التي تقوم بها أجهزة الشرطة إلى الإطاحة بالكثير من عصابات القرصنة والنسخ، وممتهني فك الشفرات، وتمرير المكالمات، ومروجي السلع المقلدة والفاسدة، والعلامات التجارية المزورة. ومن الأجهزة التي يتعين أن تكون فاعلة في حماية الحقوق الفكرية مصلحة الجمارك . فهي الجهة المعنية بتنفيذ لائحة التدابير الحدودية المقرة من قبل منظمة التجارة العالمية. وتعني اللائحة بإنفاذ الحماية في مجال العلامات التجارية وبرامج الحاسب الآلي بأن ترفض الإفراج من تلقاء نفسها، دون طلب، عن السلع التي تنطوي على تقليد لعلامات تجارية أو تعد على حقوق المؤلف، مع إشعار الجهة المستوردة وأصحاب حقوق الملكية الفكرية بقرارها . ويمكن بهذا الصدد، الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة التي لا يتجرأ المزورون ومنتهكي حقوق الملكية الفكرية، وموردي السلع المغشوشة، تمرير بضائعهم إلى أسواقها0وقد سعدنا بالتقرير الذي نشر في صحيفة الوطن يوم السبت الموافق 3جمادي الآخرة 1429ه من أن المصلحة أبلغت المستوردين عزمها إيقاف الإفراج عن السلع المقلدة وإمكانية مصادرتها وفرض غرامات على المستوردين لها. فهذا الإجراء من شانه الحد من تدفق السلع المقلدة والمغشوشة التي يعاني منها السوق السعودي. أيضاً هناك جهات أخرى يمكن أن تعمل في إطار منظومة متكاملة لتعزيز حماية الممتلكات الفكرية وتعزيز أمن المعلومات ومكافحة جرائم المعلوماتية مثل الإدارات الرقابية والقانونية بالوزارات والمصالح الحكومية لحماية أمن المعلومات لديها، وحماية البرامج التطبيقية التي تعتمد عليها في أداء عملها وخدماتها التي تقدمها للجمهور. وهذه الجهات يمكن أن يكون لها دور فعال في التنسيق مع السلطات المعنية بإنفاذ قوانين الملكية الفكرية، ونظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، وتعزيز الوعي بين منسوبي تلك الجهات والعاملين بها بأهمية اقتناء البرامج الأصلية والمحافظة عليها، وأهمية المحافظة على البرامج المبتكرة التي تمتلك جهة العمل حقوقاً فكرية عليها. وفيما يتعلق بإنفاذ نظام حماية العلامات التجارية، فكما نعلم أن وزارة التجارة والصناعة هي الجهة المعنية بهذه المسألة. وعلى الرغم من الجهود الطيبة التي تبذلها في هذا المجال، إلا أنها أصبحت مثقلة الآن بأعباء مكافحة الغلاء والتقليل من آثاره . وهي بحاجة للمزيد من الدعم وتوفير الموارد البشرية الكافية للقيام بأنشطتها في سوق مترامي الأطراف . فالملاحظ أن مروجي البضائع المقلدة والمغشوشة من العمالة الوافدة أصبحوا أكثر جرأة في عرض بضائعهم وتسويقها أمام التجمعات وفي كل مكان. ومن الأمثلة الصارخة لهذه التصرفات، قيام فئة ممن يمتهنون ترويج أنواع من العطور أمام المطاعم وأماكن التجمعات في العاصمة . وتلك المنتجات نشرت تقارير صحفية عنها أنها سامة ومضرة بالصحة، ومع ذلك لم يتخذ إجراءات رادعة بحقهم. ويتعين تفعيل نشر الأحكام القضائية التي تصدر بحق المخالفين لأنظمة الملكية الفكرية باختلاف درجاتها. سواء اللجان القضائية المعنية بتطبيق أنظمة الملكية الصناعية، وحقوق المؤلف. أو ديوان المظالم المناط به تطبيق نظام حماية العلامات التجارية. من جهة أخرى يجب أن يتحمل المواطنون مسؤولياتهم بهذا الشأن. وأن يشكلوا خط الدفاع الأول أمام المزورين ومنتهكي حقوق الملكية الفكرية ومروجي السلع المغشوشة عن طريق الإبلاغ عنهم، والتعاون مع السلطات المختصة في مكافحتهم، ومقاطعة المنتجات التي يروجونها. وعلى وسائل الإعلام واجب نشر الوعي باحترام حقوق الملكية الفكرية، وتبصير المستهلكين بمخاطر السلع المقلدة، والبرامج المنسوخة، ونشر التقارير عن الجرائم المعلوماتية التي ترتكب بالمملكة، والعقوبات التي طالت مرتكبيها، ليعي المجتمع تفعيل النظام، ومعرفة الجزاءات الرادعة لمن يخالفه. كما أننا بحاجة ماسة لتدريس أنظمة الملكية الفكرية وفقاً للمفاهيم الحديثة ضمن مناهج الكليات التي تدرس القانون في الجامعات السعودية . وقد تشرفت بتقديم مقترح لعميد كلية السياسة والأنظمة بجامعة الملك سعود العام الماضي بإدراج أنظمة الملكية الفكرية السعودية الحديثة ضمن الموضوعات التي تدرس في قسم الأنظمة.