صدر عن منشورات "بلاس دي فيكتوار" في باريس كتاب جديد بعنوان "شبه الجزيرة العربية / قرن من الصور الشمسية" ويضم مجموعة نادرة من الصور التي تمّ التقاطها في بعض دول الخليج العربي وهي على التوالي المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة والكويت وعمان وقطر واليمن، وذلك خلال مرحلة زمنية امتدت من نهاية القرن التاسع عشر وحتى مطلع القرن العشرين. يتميّز الكتاب بطباعته الفخمة والجميلة، ويتألف من مائتي صفحة، وقد حظي بدعم وزارة الخارجية الفرنسية في إطار مشروع ثقافي أطلقته مؤسسة "ثقافات فرنسا" بالتعاون مع السفارات الفرنسية والمراكز والرابطات الثقافية التابعة لها في منطقة الخليج العربي. ويهدف المشروع من خلال مجموعات الصور الفوتوغرافية القديمة، إلى استعادة صفحات من ماضي هذه المنطقة التي لعبت دوراً مهماً في المخيلة الجماعية الأوروبية خلال مرحلة قام فيها الكثير من المستشرقين والرحالة والفنانين والتجار والمغامرين المجهولين بزيارة مدن وصحارى الخليج العربي للتعرف إليها، وكان من أشهر أولئك الرحالة الشاعر الفرنسي رامبو الذي أقام وعمل في عدن. نشير إلى أنّ الكتاب الجديد ليس الأول من نوعه في فرنسا، فقد سبق ل "معهد العالم العربي" في باريس أن أصدر كتاباً بعنوان "صور قديمة من مكةوالمدينة خلال المرحلة الممتدة بين 1880و1947"، بمناسبة معرض أقيم في المعهد حول هذه الصور وحمل العنوان نفسه. وتعتبر الصور التي التقطتها مجموعة من الحجاج خلال هذه المرحلة من أقدم الصور التي تؤرخ للمملكة ومنها صور صادق بيه (1832-1902) الذي عمل في الجيش المصري وقد أدى فريضة الحج ثلاث مرات وتشكّل كتاباته والصور التي التقطها بالإضافة إلى الخرائط التي نفذها مرجعاً تاريخياً مهماً لأنها كانت بمثابة أول دليل للحجاج ونشرت نهاية القرن التاسع عشر. هناك أيضاً صور الهندي ميرزا علي والتي أنجزت ما بين 1900و . 1904ويعتبر ميرزا علي أول مصوِّر هندي عمل في مكةوالمدينة، وكان يقوم بتظهير صوره في الهند ثم يرسلها إلى الحجاز حيث كانت تباع للحجاج. هناك أيضاً صور محمد حلمي المولود في مصر عام 1890والذي شغل مناصب رسمية عدة منها منصب المدير العام لمتحف الرّي المصري. وكان عضواً في لجنة تحكيم معرض الصورة في لندن من عام 1925حتى وفاته عام 1968، وقد حازت صوره هو بالذات على جوائز كثيرة. عام 1951، شارك في البعثة المصرية التي ساهمت في ترميم الأماكن المقدسة في مكةوالمدينة مما سمح له بالتقاط صور شخصية لحجاج من المغرب واليمن. بصورة عامة، كان محمد حلمي رائداً في استخدام التقنيات الحديثة في عشرينات القرن الماضي . إضافة إلى الصور النادرة، يضم كتاب "شبه الجزيرة العربية / قرن من الصور الشمسية" دراسة أعدتها الباحثة والأستاذة الجامعية التونسية صبيحة خمير حول تاريخ الصورة وموقعها في العالم الإسلامي، وقد سبق لها ونشرت مجموعة من الدراسات في هذا المجال. إلى ذلك، يحتوي الكتاب على الكثير من الشروح والتعليقات التي تحمل توقيع باسكال غي، المشرف على التبادلات الثقافية بين فرنسا والإمارات العربية. ولئن اختلفت نوعية الصور المنشورة في الكتاب فإنها تظل شهادة فريدة على زمن مضى خاصة أن بعض الأمكنة والصروح المعمارية تعرضت لتغييرات جذرية بعد اكتشاف الثروات النفطية وبعد أن سادت العمارة الحديثة، كما أنّ صور بعض الشخصيات تمثل سجلاً إتنوغرافياً وتعكس جانباً مهماً من الحياة الاجتماعية في تلك المرحلة. الفنون الإسلامية في "متحف الفنون الزخرفية" يتواصل في "متحف الفنون الزخرفية" في باريس معرض بعنوان "الفنون الإسلامية في متحف الفنون الزخرفية" كاشفاً عن مجموعة الفنون الإسلامية التي يملكها المتحف، وهي مجموعة نادرة بمزاياها الجمالية العالية لا سيما أنها تختصر الإبداع الإسلامي خلال حقبة زمنية طويلة تمتد من المرحلة الأموية في القرن الثامن حتى مرحلة الإمبراطوريات الكبرى التي سبقت نشوء الدول الحديثة وهي العثمانية والصفوية وكذلك المغولية في الهند. تتجاوز القطع الإسلامية التي يملكها "متحف الفنون الزخرفية" الثلاثة آلاف قطعة، لكن المعرض يضم فقط ثلاثمئة منها تعد من الروائع الفنية ويتمتع بعضها بشهرة عالمية، والهدف من عرضها إبراز الدور الذي لعبته الفنون الإسلامية في نهضة الفنون التطبيقية في فرنسا وأوروبا نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. ارتبطت هذه المرحلة باكتشاف الفنون الشرقية التي قامت على مبادئ مغايرة عن تلك التي قامت عليها الفنون الغربية منذ عصر النهضة في إيطاليا. ولقد انبهر بعض كبار الفنانين الغربيين وفي مقدمتهم هنري ماتيس بالقيم الجمالية للفنون الإسلامية التي أكدت على مبدأ التسطيح وعدم محاكاة الواقع حسب قاعدة الأبعاد الثلاثة، مع التركيز على الألوان الصافية والخطوط الهندسية والإشارات. ولعب بعض التجار وأصحاب الشركات والمصانع المعروفين في فرنسا دوراً في شراء التحف الإسلامية مما أسهم لاحقاً في انتشارها وانتقالها كهبات إلى المتاحف الكبرى. يبيّن المعرض كذلك الأثر الذي تركته الفنون الإسلامية على الفنانين الذين صاغوا تحفاً كالزجاجيات والخزف والأقمشة والسجاد. تتعدّد المعروضات وتتنوّع، ومنها القطع الخزفية التي تظهر الإضافات الكبيرة التي حققها الخزافون في هذا المجال وهي إضافات لم تعرفها الحضارات السابقة من قبل، وقد تمكن المسلمون من إنجازها بفضل تطوّر العلوم في زمن الخلافة العباسية ومنها علوم الكيمياء. أما بالنسبة إلى فن الزجاج فقد عاش عصره الذهبي في القاهرة ودمشق في زمن الأيوبيين والمماليك، ويمكن القول إن التحف الزجاجية المملوكية هي أجمل ما حققه فن الزجاج الإسلامي. ويملك "متحف الفنون الزخرفية" تحفاً زجاجية تتميز باعتمادها على الزخرفة القائمة على الخطوط العربية والتوريق وكانت مجسّدة في قناديل معدة لإنارة المساجد. من الخزف والزجاج إلى السجاد، ويملك متحف الفنون الزخرفية نماذج نادرة منها، ومن أقدمها السجاد الأناضولي المخصص للصلاة وقد انتشر في أوروبا في زمن الحكم العثماني . هنالك أيضاً السجاد الفارسي الذي اشتهر منذ المرحلة الصفوية وبالتحديد منذ عهد الشاه عباس ويعكس حضور الطبيعة وأهمية الحديقة في الثقافة الإسلامية. أخيراً، لا بد من الإشارة إلى التحف المعدنية ومنها شمعدان من النحاس المكفّت بالفضة تمّ إنجازه في العراق نهاية القرن الثالث عشر وقد نقشت على صفحته مجموعة من الشخصيات المرتدية ثياباً طويلة تذكّر برسوم المخطوطات. يحمل هذا الشمعدان توقيع الفنان داوود بين سلامة الموصلي. ويؤكد انتماء هذا الفنان إلى مدينة الموصل في العراق على الدور البارز الذي لعبته هذه المدينة في ازدهار فن المعادن.