*واحدة من الأفكار التي يتداولها بعض أعضاء هيئة التدريس في ظل هذا الجمود في كادرهم المالي هو لماذا لايكون هناك توجه للاستفادة من أعضاء هيئة التدريس السعوديين للتدريس جزئيا في الجامعات الجديدة في المناطق البعيدة، خصوصا وأن هذه الجامعات جديدة وناشئة وتحتاج إلى خبرات محلية لبنائها وتطويرها. الهدف هنا هو ضرب عصفورين بحجر واحد وهو تطوير الجامعات الجديدة وتوفير أعضاء هيئة تدريس لها (خصوصا وأن تلك الجامعات تعاني من عدم رغبة كثير من اعضاء هيئة التدريس السعوديين في العمل فيها وتحتاج إلى وقت طويل لبناء طاقمها التدريسي المحلي) والعصفور الثاني هو زيادة دخل اعضاء هيئة التدريس السعوديين دون الحاجة إلى تغيير الكادر. هذا المقترح سيؤدي أن تم تطبيقه إلى الاستفادة القصوى من الموارد البشرية التي أهلتها الدولة خلال العقود الماضية وصرفت عليها أموالا طائلة وسيؤدي إلى تنوع التجربة لدى أعضاء هيئة التدريس لأنه يمكن أن يقوم الاستاذ بتدريس مادة معينة في عدة جامعات وليس جامعة واحدة ويمكن إضافة عبء تدريسي إضافي للأستاذ للقيام بهذا الدور وبالتالي يمكن حل بعض المشاكل التي يعاني منها التعليم العالي ولو جزئيا، لأن مسألة نظام التعليم العالي الجديد الذي تدور حوله الشائعات أنه لم يبق إلا إعلانه وأن هذا النظام يملك بعض المفاتيح السحرية التي يمكن أن تغير حالة التعليم العالي الحالية، أقول إن هذا النظام "السحري" لن يصنع حلا لأنه لم يناقش على مستوى اعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية بل اكتفت الوزارة (على ما يبدو) بأهل الحل والعقد في الوزارة ومن يحيط بها. ومع ذلك فإن اعضاء هيئة التدريس ينتظرون هذا النظام الجديد بفارغ الصبر (وهم يعتقدون أن هذا النظام سيحمل بعض التغييرات المالية وسيغير من دخلهم الذي يتدهور يوما بعد يوم نتيجة للغلاء وتغير كل شيء حولهم). أعود للجامعات الجديدة التي يبدو أنها تعاني فهناك من أكد لي أنه سيكون هناك بدل ندرة إضافي لمن يرغب في الانتقال لتلك الجامعات ولا اعلم لماذا لا يرغب الاساتذة في الذهاب لتلك المدن الجامعية الجديدة التي تقع في مدن هادئة ومريحة ومهيئة للعمل الاكاديمي الجاد مثل كثير من الجامعات في العالم التي تبتعد عن الحواضر الكبيرة وتنأى بنفسها عن الضجيج. في اعتقادي أن عدم جاذبية الجامعات الجديدة يكمن أصلا في عدم جاذبية العمل الاكاديمي بشكل عام في بلادنا، فلو أن العمل الاكاديمي جذاب لتنافس كل اعضاء هيئة التدريس للذهاب لتلك الجامعات. بالنسبة لي أعتقد أن عدم الجاذبية تكمن في عاملين مهمين، أولهما وأهمهما هو التراجع الحاد في صورة الاكاديمي الاجتماعية، فلم يعد أستاذ الجامعة ذلك الانسان الذي يحظى بتقدير اجتماعي كبير مثل السابق، وهو أمر يشعر الكثير بالمرارة لأن الجانب المادي (وهو العامل الثاني) غير مجد ولا يحقق الرضى عند الاساتذة وبالتالي فإن فقد القيمة الاجتماعية او تراجعها مع عدم رضى مادي يجعل الجميع غير راضين عما يقومون به من عمل. لذلك أصبح أغلب الاساتذة يفضل الحواضر الكبيرة لأن فرصة العمل الخاص وتقديم الاستشارات كبيرة والذهاب إلى الجامعات الجديدة يعني فقد تلك الميزات دون أي تعويض (مادي ومعنوي). لعل هذا يجعل من فكرة إتاحة الفرصة لمن يرغب من أعضاء هيئة التدريس للمشاركة في التدريس جزئيا في الجامعات الجديدة مجالا لتعديل كثير من الاخطاء السابقة وصنع جاذبية جديدة للعمل الاكاديمي دون أن تتحمل الدولة اعباء مالية جديدة (إذا كان هذا العائق أصلا يمنع تعديل كادر أعضاء هيئة التدريس). الذي يبدو لي أن كثير من الاكاديميين يأملون الكثير من الاصلاحات في نظام التعليم ويتمنون كثيرا من المرونة الادارية والمادية وفتح التعليم على البحث العلمي غير المقيد بعمادات البحث العلمي العقيمة والبيروقراطية واتاحة الفرصة للأستاذ الجامعي للعمل المهني كي يساهم في بناء هذا الوطن بدلا من حبسه في أروقة الجامعة ووأده "أكاديميا". ربما تكون بداية الانفتاح هي التنقل بين الجامعات الجديدة والاحتكاك بالتجارب المجتمعية المحلية، فهذا الحراك يمكن أن يكون مثل سريان الدم في العروق من جديد، ومع ذلك فالمتوقع أن يكون الإصلاح شاملا، ويقدم حلولا مستقبلية للتعليم العالي وليس فقط "ترقيع" المشاكل الحالية. بالنسبة لي أشعر ان لدينا الكثير من الامكانات المهدرة، وهذه مسألة إدارية بحتة، أي ان التعليم العالي فشل في إدارة تلك الاماكن ولم يتعامل مع الموارد الكبيرة التي نملكها بأسلوب يصنع "المكسب المشترك" بين الاستاذ والجامعة والمجتمع بل تعامل بأسلوب "المكسب والخسارة" بالتالي خسر الاستاذ وخسرت الجامعة وخسر المجتمع، لذلك فإنني من الذين يدعون إلى تبني ثقافة إدارة جديدة تبتعد عن تكريس "عدم الثقة" في الاساتذة وإتاحة الفرصة لهم لبذل ما يستطيعونه من أجل خدمة بلادهم وفتح كل الابواب لهم للتنافس الشريف بدلا من ثقافة "المنح" التي يحصل عليها البعض دون الآخر. المشكلة لايمكن حلها فقط بتغيير الكادر وزيادة دخل الاستاذ بل بصناعة روح جديدة تجعل من العمل الأكاديمي ذا قيمة وهو ما ننتظره من النظام الجديد (إذا صدر طبعا ونحن لنا سنوات ننتظره). نحن لسنا بحاجة لمشروع "آفاق" (الذي يبدو أنه طار في الآفاق) لتطوير التعليم العالي، لأننا ببساطة نحتاج إلى تعزيز الحرية الأكاديمية وبناء وسط أكاديمي تنافسي يعي قيمة هذه الحرية الاكاديمية، كما أننا لسنا بحاجة إلى مشاريع تطويرية عظيمة لأننا نحتاج فقط إلى بعد إنساني ووعي مستقبلي بدور التعليم العالي وتحريره من أيدي من يريد أن يهيمن عليه ويقيده بقيود تجعل من الجامعة مجرد "مدرسة" ومن الاستاذ الجامعي إلى مجرد "ببغاء" يردد ما يقال له دون روح. أما الجامعات الجديدة، فأتمنى أن يكون حظها افضل من الجامعات القائمة وأن تكون تعلمت من الدرس، فالبداية تعني عدم وجود أي قيود سابقة وتعني أن هناك فرصة للتشكيل دون صور ذهنية تاريخية وتعني أن المسؤولية المستقبلية تقع على من يدير هذه الجامعات حاليا.