إن الإصلاح بين الناس من الأعمال الجليلة التي أثنى الله عليها، ووعد من قام بها بإخلاص ونية صالحة الأجر العظيم قال تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف يؤتيه أجراً عظيماً) "سورة النساء: 114"، وجاء في الحديث أن الإصلاح بين الناس صدقة، ومن هذا المنطلق والحس الإسلامي الصادق كانت جهود صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض وفقه الله في الإصلاح بين الناس، ولأجل ذلك شكل لجنة بذل المساعي الحميدة للصلح والحث على العفو بإشراف ومتابعة من سموه وبذل جاهه وماله في ذلك يشارك في هذه اللجنة عدد من مسؤولي الإمارة من ذوي الاختصاص ومن يراه سموه من العلماء والوجهاء. وهذه اللجنة تقوم بإشعار أصحاب الحق بما صدر من حكم تجاه خصمهم وأمر تنفيذه من قبل المقام السامي الكريم، ويوضحون لصاحب الحق ما للصفح من مكانة وأجر عند الله وبدون أي ضغوط عليه، وقد عرفت كما علم غيري عن جهود هذه اللجنة المباركة، وأتمنى أن تنشر هذه اللجنة إحصائيات من عملها مع حداثة عهدها، ومما يشكر لسموه أن هذه اللجنة لا تنظر في الجرائم المرتبطة بأعمال الخطف والسرقة وفعل فاحشة الزنا واللواط أو التمثيل بالقتل أو تبييت النية في القتل، كما بيَّن ذلك سكرتير اللجنة في جريدة "الرياض" العدد 145777الخميس 1429/5/17ه وهذا مسلك حميد يجب أن يُشكر ويبرز. وأقرب مثال على جهود الأمير سلمان في الإصلاح بين الناس ما تناقلته وسائل الإعلام والناس عفو الشيخ فيصل بن سند البقمي عن قاتلي ابنه المحكوم عليها بالقصاص بعد ثلاث سنوات أو أكثر من الشفاعات التي قام بها العديد من أصحاب السمو الملكي الأمراء والمعالي والفضيلة، لكن كان لكلمات الأمير سلمان بن عبدالعزيز عن العفو وفضله وأجره من الله، كان لها - بعد توفيق الله - أكبر الأثر ليعفو الشيخ فيصل البقمي عن كل من فهد السهلي وسعود السهلي لوجه الله تعالى. وممن كان له جهود مشكورة لا تستغرب منه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز الذي تحمل المشاق والسفر وبذل الكثير من وقته وجهده للإصلاح في هذه القضية، فشكر الله لهما ورفع به درجاتهما، وكل من سعى في الصلح في هذه القضية أو غيرها مما فيه نفع للناس، ومما ينبغي أن يشكر ويذكرك فضله ويبرز نبراساً للناس في الجود والكرم والعفو الشيخ فيصل البقمي على هذا الموقف الجليل الذي كان فيه قدوة للخير بين الناس، وهكذا المكارم لا تبنى إلا على جبال من التضحيات. إن هذا المشهد الجميل في التلاحم الاجتماعي بين الراعي والرعية والأبوة الحانية من سموه، فكم من بيت سعد بعد حزن بهذه الجهود، وكم من أسرة يسر الله لها فعل الخير والذكر الجميل بهذه الجهود، كما جعل الله ذلك للشيخ فيصل البقمي، أسأل الله أن يوفق أميرنا سلمان بن عبدالعزيز لكل خير، وأن يسدده ويوفقه، وذريته وأخص الأمير سلطان بن سلمان، وأن يخلف خيراً على الشيخ فيصل. وفي الختام أختم بهذه القصة الجميلة للصحابي الجليل الخليفة العادل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، جاء في سريته في سير أعلام النبلاء أنه وفد عليه مسور بن مخرمة رضي الله عنه فقضى معاوية حاجته ثم خلا به، فقال يا مسور ما فعل طعنك على الأئمة؟ قال: دعنا من هذا وأحسن، قال لا والله لتكلمني بذات نفسك بالذي تعيب علي، قال مسور: فلم أترك شيئاً أعيبه عليه إلا بينت له، فقال: لا أبرأ من الذنب، فهل تعد لنا يا مسور مانلي من الإصلاح في أمر العامة، فإن الحسنة بعشر أمثالها، أم تعد الذنوب وتترك الإحسان، قال: ما تذكر إلا الذنوب؟ قال معاوية: فإنا نعترف الله بكل ذنب أذنباه فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن لم تغفر، قال نعم قال: فما يجعلك الله برجاء المغفرة أحق مني، فوالله ما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي، ولكن والله لا أُخيَّر بين أمرين بين الله وبين غيره إلا اخترت الله على ما سواه، وإني لعلى دين يقبل فيه العمل ويجري فيه بالحسنات ويجزى فيه بالذنوب إلا أن يعفو الله عنها، قال فخصمني قال عروة الراوي عن مسور فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلا صلى عليه، أي دعا له رضي الله عنهم أجمعين. إننا في دين عظيم من يتولى فيه الإصلاح في كل مجال على خير كبير، أسأل الله أن يوفق ولاة أمرنا لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. @ أستاذ العقيدة المساعد بجامعة الملك سعود