لقيت أغنية "يمكن" رواجًا خاصًا عند فئة من المتلقين وتركت أثرًا قويًا في نفوسهم. وقبل أن أسمع الأغنية سمعت وقرأت تعليقات عدد من الرجال والسيدات على تلك الأغنية. وبعض تلك الردود نشرتها بعض المجلات ومواقع الانترنت. ويمكن القول بأن ردود الأفعال كانت تتراوح بين عدم التأثر (وهم قلة) وبين التأثر العميق باعتبار تلك الأغنية تمثل الألم الحقيقي الذي شعر به أولئك الأشخاص. إن ردة الفعل العنيفة من الأغنية تلفت الانتباه وتجعل المرء يتساءل عن السبب وراء ذلك خاصة إذا قرأنا النص نفسه وتأملناه وهو خالٍ من التعليقات أو المقدمات التي تحاول ربطه بقصة حقيقية مؤلمة. ففي موقع يوتوب الذي نشر الأغنية ووضع لها خلفيات معينة جاءت تعليقات القراء على نحو يربط بين الأغنية وبين تاريخها، ومن تلك الردود المكتوبة قول أحدهم: "القصة حقيقية حدثت لرجل سعودي، أنا اليوم قرأت عنها بجريدة اليوم السعودية في عددها 12749يوم الأحد بتاريخ 11-5-2008، والقصة والله مؤثر جدا جدا. الله يكون بعونه". ويقول آخر: "ذكرت مجلة "سيدتي" اللندنية أن أغنية "يمكن" التي غناها الفنان اللبناني عاصي الحلاني تستمد كلماتها من أحداث قصة واقعية حدثت مع شخص سعودي حاول العودة لزوجته بعد انفصاله عنها..". وتضيف أخرى: "قصة هذا السعودي تشبه قصتي والذي ربما خسر أولاده بطلاقه الأول... لذلك هذه الأغنية تبكيني كلما سمعتها لذلك أتفاداها...". ويروي أحدهم قصة الأغنية بأنه: "بعد مرور سنة توفّيت غادة بعيدًا عن زوجها في أمريكا، فصدم الزوج بموت زوجته المبكر والتي لم تتجاوز الخامسة والثلاثين من عمرها. فعاش على ذكراها وعادت به الذاكرة إلى الكلمة "يمكن" التي قالتها له عندما حاول الرجوع إليها". وفي مواقع أخرى تذكر إحدى السيدات أنها لم تستطع إكمال سماع كلمات الأغنية لأنها كادت تختنق. وتقول أخرى بأنها بكت بكاء مريرًا مع كل مقطع من الأغنية وترحّمت على الفتاة الشهيدة. وغير ذلك من الانطباعات المتأثرة بهذه الأغنية التي استدرت الدموع وجلبت الحزن والألم لبعض سامعيها. وبالعودة إلى كلمات الأغنية، التي لم يذكر قائلها، وغناها المطرب المبدع عاصي الحلاني، نجدها على النحو التالي: دق الحزن بابي، دمعي فتح له الباب مني خذا أحبابي، ماظل عندي أحباب يمكن أنا الغلطان، يمكن عمر هربان ياكلمة اليمكن، فيه إلك ألف عنوان يمكن ما ذنبي اللي صار، يمكن زماني دار يا كلمة اليمكن، يابحر من أسرار بحر المافيه منه رجوع، على رمل الشط الموجوع دعساتهن يالمثل جروح، عيوني عم تمليها دموع ضاعت أيامي، احترقت أحلامي والشمس اللي شرقت غابت، ياعيوني نامي نامي عَ جروحي، بسرّك لا تبوحي وإل كانت روحي ماغابت، بعدها بي روحي بعدك عينيه، دمعة منسية كلما بحاول أنسى، قلبي بيصرخ مافيّه والقدر قادر، الحاكم والآمر سفرة مكتوبة ومافينا إلا ما نسافر... والمقطع الذي يتكرر عدة مرات وعليه يعتمد ثقل الأغنية هو الذي تتكرر فيه كلمة "يمكن"، ويرتكز على فكرة العودة للماضي ومحاولة التقليل مما حدث بوضع افتراضات تستهلها كلمة "يمكن". ونجد القائل لايدري هل وقع منه غلط أم لا، وكلمة يمكن تساعده على التهرب من اليقين بأنه أخطأ على محبوبته/ زوجته التي قدمت له حياتها وأخلصت في حبه ثم ماتت كمدًا على حبها له (كما تروي القصة). أما النص فيضع احتمالات أخرى لوفاتها ومنها: أن عمرها أصلا هارب، ويمكن أنه ليس له أي ذنب فيما حصل، وحتى لو كان له ذنب فالزمن يتحمل المسؤولية لأنه دار. أما وصف كلمة "يمكن" بأنها بحر من الأسرار أو أن فيها ألف عنوان، فهذه أوصاف لغوية لاعلاقة لها بالتجربة الإنسانية، وقد تقوم بمهمة تشتيت التركيز على الموضوع. ونتساءل: هل يصل قارئ القصيدة إلى فهم قريب مما وصل إليه من سمعوا الأغنية مع قصتها وخاصة إذا قرأها بعيدًا عن الإيقاع الحزين وبعيدًا عن الصوت الشجي للفنان، وقبل ذلك بعيدًا عن القصة التي ألصقت بالنص؟ هل الحزن الذي يشير إليه المتلقون في تعليقاتهم نابع من النص ذاته، أم أنه مجلوب من خارج النص؟ هل الألم الذي شعروا به كان تعاطفًا مع الضحية (الافتراضية) أم أنه تعاطفً مع ذواتهم التي يمكن أن تمر بتجربة مماثلة للضحية؟ ونخمن أن كلمة "يمكن" اكتسبت قوتها لأنها كانت آخر كلمة قالتها الفتاة بطلة القصة قبل أن تموت. فهل تستحق تلك الكلمة أن تكون مفتاح الحزن؟ ماذا لو كانت كلمة "يمكن" بمثابة الصورة التي تحيل إلى المستقبل الغامض فهل تنهض بالدلالة الحزينة؟ هل قيام كلمة "يمكن" بدور تبرير ماحصل في الماضي قلل من قيمتها الدلالية إذا علمنا أن التبرير لايدفع إلى الحزن لأنه لايجلب متعاطفين؟ من هنا يمكن ملاحظة أن تلقي تلك الأغنية بالحزن لم يكن تلقيًا صافيًا، بل إن الذين تأثروا بها ربما كان تأثرهم مرتبطاً بالقصة أكثر من الأغنية، وجاءت الأغنية بإيقاع متناغم مع ما في نفوسهم فذكّرتهم بالقصة، وكأنها المثير الخارجي الذي استفزّ المشاعر الكامنة، فأحسوا بالحزن، وبعضهم تماهى مع صراع المشاعر إلى أقصى حد، وخاصة السيدات اللاتي يرين الضحية ممثلة لهن على الأقل في صورة خيالية مفترضة.