في مثل هذه الأيام من كل عام تشهد جامعاتنا حراكاً غير عادي ونشاطاً استثنائياً لإقامة حفلات التخرج، هذه المناسبة الرائعة تعد ذكرى خالدة تعيش مع الخريج في حياته كلها كقصة شاهدة على الإنجاز الذي حققه يرويها لأبنائه بكل شغف ويستعيد تفاصيلها خالياً كلما حن إلى الماضي الجميل، وتذكر حقبة الدراسة والتحصيل. بالأمس القريب كنت مدعواً إلى حفل تخريج في إحدى جامعاتنا العريقة، كان عدد الخريجين كبيراً جداً، ويشمل كافة التخصصات ومراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، إنه إنجاز رائع شعرت معه بنشوة أحسبها نشوة الزهو بالوطن وبأبناء الوطن، وبجامعاتنا الرائدة، ودخلت أجواء الذكريات! بالأمس كنت هنا طالباً.. فخريجاً.. ما أروع هذه الذكريات!! لم يقطع هذه اللذة إلا صوت شيخ وقور كان بجواري وهو يسمع عريف الحفل يعلن عن اسم ابنه خريجاً متفوقاً، أراد أن أشاركه الفرحة ويشاركني إياها ورغم أنه سطا على لذيذ أحلامي وقطع حبلها المتصل بماضي أيامي، إلا أنني شاركته الفرحة حين قال هذا ابني، فباركت له من الأعماق، ودعوت له بالتوفيق، وكنت أتوقع منه ردة فعل إيجابية لأن السياق يؤدي إلى ذلك: ابنه خريج، والجامعة تحتفل به وبزملائه، والأب لم يتردد في إعلان فرحه بهذه الصورة لكنه بادرني قائلاً: (يا فرحة ما تمت) الآن (لا 1000ولا وظيفة) فهززت رأسي هزة المستفسر فقال: كان أحمد - وهذا اسم ابنه الخريج - على مدار الأربع السنوات الماضية يتقاضى مكافأة شهرية وكانت تساعده في مصروفاته اليومية ومتطلباته الدراسية وترفع عن كاهلي بعض احتياجاته المعيشية التي أصبحت عبئاً سيما وأن الالتحاق بالعمل أمل يصعب تحقيقه فهذا ما أعنيه بقولي (لا 1000ولا وظيفة). اندهشت للموقف المرير في قمة الفرح الغامر، ومن الحزن في قمة السعادة، ومن التخوف في لحظة الأمل، إنها حقاً متناقضات غريبة!!! انتهى الحفل، وانتهى لقائي بهذا الرجل المحبط، غير أن القصة لم تنته بعد.