ما بين تطور التقنية الرقمية الحديثة التي تتيح للوالدين وأولياء الأمور مشاهدة ومتابعة أطفالهم من خلال كاميرا جوال بالصوت والصورة وهم بعيدون عنهم مكانيا (لا ادري حقيقة ماذا يمكن أن تقول عنه الجدات الآن اللاتي كن يرخين خُمرهن على وجوههن عندما كان يظهر المذيع على التلفزيون زمان) وبين تنامي الوعي النفسي لدينا فيما يؤثر حقيقة في تنشئة الأطفال خاصة في زمن انفتاح الحضارات وما يتحي ذلك من معرفة وتبادل خبرات نقف احيانا مشدوهين عند تأكيد أو نشر نتائج دراسات ميدانية عن الموضوع وكأن الحدث يأتي بالجديد في مضمونه رغم أننا بالفطرة قد ندرك صحة الاعتقاد العلمي قبل أن تتبناه مؤسسات تربوبة ونفسية معروفة بالغرب وتنشر ابحاثها عنه. ومن سباق تلك الابحاث ما نشر عن مذكرة طبية في المانيا تحذر من التخلي المبكر عن تربية الاطفال للمربيات، والمذكرة الرسمية التي جاءت من نقابة علماء نفس الاطفال الالمان تشير إلى عواقب نفسية كارثية على الاطفال نتيجة تخلي الابوين المبكر عن تربيتهم، ويأتي التحذير كما نشرته الصحف وسط نقاش عام عن الموضوع بسبب رغبة وزيرة العائلة الألمانية في توفير أماكن الرعاية لكافة الأطفال الصغار تحت سن الروضة، في دور الحضانة. وتوجُّه الوزيرة في توفير أماكن صحية وملائمة للصغار بدلا من تركهم في رعاية العاملات المنزليات أو المربيات في حال انشغال الوالدين بالعمل يبدو اجتهادا في محله لولا ما استشهدت به المذكرة التحذيرية بناء على دراسة سريرية حديثة من أن هناك دلائل على ارتفاع نسبة هرمون التوتر كورتيزول في دماء الأطفال تحت سن 3سنوات الذين يتركهم أهلهم في رعاية دور الحضانة. إذن عامل السن له دور على ما يبدو لأنه ووفقاً للدراسة فإن الكورتيزول يرتفع في الدم كلما قلت سن الطفل عن العمر المناسب لرياض الأطفال وكلما زادت فترة انقطاعه عن والديه ويتسبب ارتفاع هرمون التوتر في هذا العمر الصغير في حدوث عواقب نفسية وخيمة على الطفل مع مرور الزمن تمكن الأطباء رصد العديد هذه الأمراض الممتدة من مشاعر الحرمان والخوف والكآبة والشعور بالنقص وغيرها وهي غالبا ما تشبه في اعراضها الأمراض التي أصابت جيل الأطفال الذي شهد الحرب العالمية الثانية الذين تركوا في رعاية الغير دون ان تتمكن أدمغتهم الصغيرة من فهم أبعاد الموقف كما تقول الدكتورة جيرتراود شليسنجر - كيبة، رئيسة نقابة علماء نفس الأطفال لان الفقدان المفاجئ للوالدين بالنسبة للطفل يمثل تهديدا مباشرا وخطيرا لشعوره بالأمن والاستقرار خصوصا انه - أي الصغير - لم يطور بعد قدراته التعبيرية اللغوية والنفسية بعد. ويضيف التقرير بواقعية عن حتمية ترك العائلات يوما بعضا من رعاية الطفل للآخرين إلا أن ذلك سيكون بلا تأثير سلبي حينما يكون الطفل قد حقق الكثير من الأمن والاستقرار والثقة في كنف والديه علما بأن البكاء والعويل في البداية ثم الصمت واضطراب النوم والتغذية من الأعراض المبكرة على إصابة الطفل بصدمة الانفصال لهذا فان المذكرة التحذيرية من قبل الأطباء هاجمت وزيرة العائلة الألمانية بفرض نموذج "الحضانات اليومية" بهدف التخفيف عن عائلة الابوين العاملين إذ يمكن لهذا النموذج أن ينتج جيلا من الأطفال المهزوزين فضلا عن التأثير الذي يتركه تغير العاملات "المربيات" على "أمه" الاحتياطية في الحضانة فالطفل سيتعرض للحرمان مرتين هنا، مرة حينما تتخلى عنه أمه للحضانة، ومرة حينما تتخلى عنه المربية بسبب الانتقال أو المرض اما أهم استنتاج جاء في الدراسة فهو ثبوت أن أطفال الحضانات هم أكثر عرضة من غيرهم لممارسة العنف في المدارس لاحقا .. حالة قد يحتاج العلماء أن يتناولوها بكثير من الاهتمام.