على مدى اربع حلقات يبحر الرحالة الانجليزي (ولفريد) أو مبارك بن لندن في اوائل الأربعينات الميلادية عبر رمال الربع الخالي في رحلته الشهيرة يغوص في اعماق سكانها الأصليين الذين حافظوا على عنصرهم وسلالتهم العريقة خلاف الأمم الأخرى ويقرأ أدق التفاصيل عن حياتهم وطبائعهم متنقلاً بين سلطتهم المادية والمعنوية كما في هذه الحلقة الى مدى تأثير الحرب العالمية الأولى والاكتشافات النفطية على حياتهم ومدى تأثرهم بالتطورات السياسية والاقتصادية ثم حديثه عن الحضارة الاسلامية وتأثرها باليونانية وحضارات العالم الأخرى مؤكدا عودة حضارة العرب والاسلام لتكتسح كل حضارات العالم يوما من الأيام يقول مبارك بن لندن في خاطرته الأولى: وأخذت أفكر وأنا أركب على ناقتي، كيف أنه لا يوجد في أي مكان من العالم امتداد كامتداد الصحراء العربية. فهنا قد رعى الرحالة الساميون الذين يشبهون زملائي، قطعانهم قبل أن تبنى الأهرامات وقبل ان يمحو الفيضان أي اثر للبشر في وادي الفرات. ان الحضارات المتتابعة وفدت وذهبت حول حافة الصحراء. ظهر المينائيون والسبئيون، والحميريون في جنوب الجزيرة ثم فراعنة مصر، وسامراء، وبابل، وآشور، والعبرانيون، والفينيقيون، واليونان، والرومان، والفرس وأخيرا الأتراك. ظهر هؤلاء جميعا وأقاموا بضع مئات من السنين بلغت الألف أحيانا. ثم تلاشوا في سلالات جديدة تطورت ثم امحت الا القبائل في الصحراء فقد ظلت تعيش على مر الزمن دون أن تتبدل حياتهم الا قليلا في هذه الفترة الطويلة من الزمن. وفي اربعين عاما. أي في أقصر من عمر الرجل تغير كل شيء وتفككت حياتهم. كانت القبائل البدوية الكبرى في نجد والصحراء السورية في الماضي تسيطر على شمال الجزيرة العربية ووسطها، وعلى المواصلات بين الواحات أو المدن أو القرى، وعلى قوافل الحجاج. وكانت تفرض الاتاوات على المسافرين، أو تسلبهم عند ما تريد. كانت تبتز الأموال من القرويين. وكان هؤلاء يشبهون عصابات الشمال التي تنهب سواحل أوربا كان على هؤلاء ،أن يعودوا الى الصحراء ليصبحوا في مأمن من الملاحقة. وكان لدى البدو سلطة معنوية بالاضافة الى السلطة المادية، فقد ارغموا القرويين والمدنيين الذين يمقتونهم ويتظاهرون باحتقارهم على أن يلمسوا بصورة لا شعورية تفوقهم عليهم وذلك لتقديرهم الحرية وتفضيلها على كل راحة ورخاء وتحملهم الآلام. واعتزازهم الشديد بقوة حياتهم، وقد سمعت الناس في الحجاز وهم جالسون اثر العشاء حول موقد القهوة وفي القاعات الكبرى يذمون بعض عرب الصحراء لأنهم فوضويون خشنون، وتحدثوا بازدراء عن فقرهم متعجبين كيف يصبرون على هذه الحياة ويتحملون الجو الصحراوي ولكنهم اعترفوا بشجاعتهم وكرمهم الذي لا يصدق وقصوا حكايات أكثرها شبه مستحيل واقسموا انها صحيحة، وبالإضافة الى ذلك القوا قصائد طويلة عن بني هلال وغيرهم من ابطال الماضي الخرافيين. ان عرب الصحراء لم يشكوا ابدا في تفوقهم وحتى اليوم نجد قبائل كالمطير والعجمان لا يعتبرون شرفا تزويج ابنتهم لزعيم أو ملك عربي ولا زلت اذكر عند ما سألت بعضا من بني رشيد الذين زاروا احدى عواصم الخليج كيف خاطبوا الزعيم فأجابوا بدهشة لقد دعوناه باسمه.دون اللقب.. بماذا تريد منا ان ندعوه.. قلت ادعوه بلقبه اجابوا نحن بدو ليس لنا الا الله..