الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    الأهلي ينتصر على الفيحاء بهدف رياض محرز    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    القبض على 4 مقيمين في جدة لترويجهم «الشبو»    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من غلاَّية شاي إلى أكبر مصفاة في العالم
قصة النجاح في رأس تنورة
نشر في الرياض يوم 17 - 05 - 2008

خمسة وسبعون عاماً من الإنجازات التي لم تتثاءب ولم تتوقف، بل إن هذه المناسبة حين تحل علينا فإنها تعني، بمشيئة الله، الاحتفاء بعقود أخرى من تأمين الطاقة والازدهار لكل شعوب العالم. ولعل من المناسب أن نذكر في مطالع احتفالنا بهذه المناسبة أن أرامكو السعودية تركِّز في الوقت الراهن على عملية توسع غير مسبوقة في مجال إنتاج الزيت، من خلال برنامج يعد الأكبر من نوعه في تاريخ الشركة، وذلك من خلال عدة مشاريع ضخمة للزيت الخام على مراحل متنوعة من التطوير.
وتتوقع الشركة أن تزداد احتياطاتها بصورة كبيرة في السنوات القادمة من خلال أعمال التنقيب المستمرة وتطبيق التقنية الحديثة في الإنتاج وإدارة المكامن. هذا بالإضافة إلى قيام الشركة بمشاريع تاريخية في مجال التكرير، وذلك في إطار سعيها لاستغلال احتياطات المملكة من المواد الهيدروكربونية لتنويع الاقتصاد الوطني. وفي خضم استعداداتها للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين، تشق الشركة طريقها بقوة إلى الأمام، حيث يرتسم وراءها ماضٍ حافل بالإنجازات بفضل الله ثم بفضل موظفيها وما يتمتعون به من ابتكارات ومهارات وخبرات، وما قدموه من إسهامات مميزة في مسيرة التنمية في المملكة وما وفروه للعالم أجمع من أسباب تطوره وتقدمه المبني على معطيات ومنتجات الطاقة. إن هذه الذكرى ستمثِّل مفصلاً مهماً في عمر أرامكو السعودية، حيث تواصل مشفوعة بكفاح وجهود أجيالها السابقة، مسيرتها نحو المستقبل بقوى عاملة حديثة وواعدة تبنى على يقين من سبقها من الروَّاد بأن الغد دائماً أفضل من اليوم. كما سيرفرف شعار "طاقة للأجيال"، الذي يُظهر التزام موظفي الشركة بتسخير ما لديهم من طاقات ومهارات -كما كان دأبهم على مدى الأجيال- لتزويد العالم باحتياجاته من الطاقة. كما أن مراسم الاحتفالات بهذه المناسبة لن تقتصر على استعراض تاريخ أرامكو السعودية، بل سيجري فيها تكريم الموظفين والمقاولين والشركاء والموردين وغيرهم نظير إسهاماتهم في نجاح الشركة على مدى السنوات الطويلة الماضية، وعلى ما سيسهمون به في المستقبل.
جبال الظهران زرعت بالمعادن
في أواخر عام 1938م، بدت الجبال في منطقة الظهران وكأنها قد زرعت بالمعادن وكسيت بمحصول غير مألوف من الأنابيب.. لقد كانت تلك النتوءات الصخرية الجرداء تنتج الزيت بكميات كبيرة حازت رضا المساهمين في شركة كاليفورنيا أرابيان ستاندارد أويل كومباني (كاسوك). ومع أن العثور على الزيت كان أهم جزء في مغامرة البحث عن الزيت برمتها، إلا أنه لم يكن بوسع أحد أن يتجاهل مشكلات فرز الزيت وتوصيله إلى الأسواق، فالزيت المنتج من باطن الأرض بحاجة إلى إزالة غاز كبريتيد الهيدروجين السام منه حتى يصبح آمناً في النقل، وهذه الخطوة كانت بحاجة إلى مصفاة في موقع مناسب قريب من ميناء يشرف على مياه عميقة.
غلاَّية شاي للتكرير!
ومع أن المصفاة الموجودة في البحرين كانت تقع على مسافة رحلة قصيرة على سفن نقل كانت تعرف باسم "صنادل"، إلا أن الجميع ومنذ البداية اعتبر ذلك حلاً مؤقتاً ليس إلا، فكمية الزيت السعودي التي كان الجميع يأملون في إنتاجها تحتاج لمصفاة مكرسة لها.. وهكذا أقيمت أول مصفاة بسيطة -أو معمل تكرير صغير- تعمل كغلاَّية تشبه "غلاَّية الشاي" في رأس تنورة على ساحل الخليج العربي، وذلك بعد إجراء مسح جاد لمواقع الآبار ومدى توافر الموانئ المناسبة، حيث كانت مياه الخليج العربي المواجهة لرأس تنورة عميقة بما يكفي لتحميل الناقلات.
تم العمل في المصفاة على عجل، لأن الصنادل التي تنقل الزيت إلى المصفاة في البحرين كانت معرضة للتسربات والتأخير بسبب الإصلاحات، ولأن المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز، وهذا هو السبب الأهم، قد وجهت له الدعوة آنذاك لافتتاح المصفاة في 1مايو 1939م. ومع أن ذلك الجدول الزمني الذي اتسم بالصعوبة والافتقار إلى المرونة، مثَّل تحدياً كبيراً لمهارة الطاقم وتفانيهم، إلا أنهم تمكنوا من الالتزام به. غير أن المصفاة لم تكد تبدأ الإنتاج حتى اضطرت إلى التوقف بسبب الحرب العالمية الثانية حيث اكتنف الغموض العالم وأصبح من الضروري خفض الإنتاج.
تحقيق المستحيل
ولكن العالم كان بحاجة للزيت، الذي ازدادت أهميته على مدى سنوات الحرب. وبحلول خريف 1943م، بدأت المصفاة تعود إلى العمل مرة أخرى، وتعاقدت كاسوك مع "تي في (فيك) ستابلتون" للإشراف على مهمة تجديد المصفاة وتحسينها وتوسعتها وبدء تشغيلها في حدود الجدول الزمني الموضوع والميزانية المرصودة لها. وسرعان ما اكتشف ستابلتون أن توظيف العمال وطلب الإمدادات ليسا ضمانًا لأن يصل العمال والإمدادات في الوقت الذي يحتاجهما فيه، ولا حتى بالترتيب السليم، حيث توقف العمل في حالات كثيرة فيما كانت الشركة بانتظار وصول موظفين مهمين أو مواد.
لكن ستابلتون كان معروفًا بالجلد والمثابرة، وأصبح ينظر إليه باعتباره الرجل القادر على تحقيق المستحيل، وأنه دائمًا ما يجد حلاً لأية مشكلة تواجهه. ومع ارتفاع وتيرة العمل في إنشاء المصفاة ومقاربتها على الاكتمال، أخذت الحرب أيضًا تضع أوزارها، حيث انتهت في أوروبا في شهر يونيو 1945م، ثم في منطقة المحيط الهادئ في شهر أغسطس من العام نفسه. وبعد نحو أسبوعين من نهاية الحرب العالمية، أي في شهر سبتمبر 1945م، أشعلت قلاديس تشامبيون ستابلتون، منسقة الإدارة وزوجة ستابلتون رجل المهمات الصعبة في كاسوك، شعلة أول مرجل في المصفاة الجديدة في رأس تنورة، التي تم تحسينها وبدأ تشغيلها في حدود الميزانية الموضوعة والجدول الزمني المحدد.
غلاَّية أم أضخم مصفاة؟
ومنذ ذلك الحين، تواصل مصفاة رأس تنورة النمو وتوصيل الزيت لإرواء الأسواق العالمية العطشى، كما شهدت عدداً من التحسينات ومشاريع التوسعة على مدى العقود التي تلت ذلك، آخرها التوسعة الهائلة التي تشهدها حالياً لتكون مجمع تكرير وبتركيميائيات متكامل، ولتصبح مصفاة رأس تنورة بإكمال هذا المشروع أكبر مصفاة في العالم.
سيرة أطول مشروع
هندسي في العالم
يُعد تنفيذ مشروع خط التلابلاين معجزة هندسية عملاقة؛ ليس بما يعنيه امتداده الهائل بين ساحل الخليج العربي وساحل البحر الأبيض المتوسط فحسب؛ وليس بسبب القيمة الاقتصادية التي أنجحت كثيراً صناعة الزيت السعودي وسهَّلت أعمال شحنه ونقله إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية فقط.. بل لأن المشروع نفسه كان تحدياً غير مسبوق في تاريخ صناعة النفط، وحتى هذه اللحظة لم يُشابهه مشروع مماثل، خاصة في الظروف المتشابكة التي حاصرته جغرافياً وسياسياً وأمنياً في أربعينيات القرن الماضي.
وعلى الرغم من كل الظروف غير المطمئنة نجح إنشاء المشروع الممتد 1664كيلومتراً ( 1040ميلاً) في أقل من سنوات ثلاث. لم يكن إنشاء أكبر خط أنابيب للزيت في العالم عبر تضاريس صحراء الدهناء وصحراء النفود وصولاً إلى صيدا بلبنان أمراً هيناً، ولا مجرد عمل صعب للغاية، بل كان أشبه بالمستحيل. وتطلب إنشاؤه نقل الأنابيب وتمديدها في مناطق لم تكن فيها طرق ولا مرافق تناسب أنواع العمل والهندسة المطلوبة، ومما عقَّد المصاعب المتراكمة وجود عجز كبير في إمدادات الحديد في وقت إجراء الدراسة، فقد كان الحديد يُستخدم في مجهود الحرب العالمية الثانية التي انتهت في منتصف الأربعينيات.
حلول مبتكرة
وفرضت المشكلات الهندسية حلولاً مبتكرة جديدة وغير مألوفة، أنتجت بدورها أرقاماً قياسية جديدة. ومن ذلك؛ كان حجم أعمال نقل الأنابيب والمواد والعمال، وطول الرحلات البحرية المطلوبة أكبر من أي مشروع منفرد يتم تنفيذه في زمن السلم في التاريخ. واحتاج المشروع إلى شاحنات ومقطورات عملاقة صُمِّمت وصنعت خصيصاً له، ويمكن لكل منها نقل ما يزن خمسين طناً وسط الصحراء، أي ما يوازي وزن عربة قطار شحن. ومن أبرز الابتكارات التي شهدها هذا المشروع ابتكار "الخطاف السماوي" الفريد الذي أقيم في رأس مشعاب، وهو شبكة كابلات علوية يبلغ طولها نحو ثلاثة أميال كانت تحمل مفصلات الأنابيب من السفن إلى اليابسة. إلا أن المشكلات الفنية لم تكن هي الأصعب في المشروع، وإنما كانت هناك المشكلات السياسية التي تلت الحرب العالمية الثانية وزادت من تعقيدات الموقف، مما استدعى تغيير الخطط أكثر من مرة. إذ كانت الخطة في الأصل تتضمَّن الشروع في إنشاء الخط من الطرفين والالتقاء في مكان ما في المنتصف، غير أن التوترات السياسية والحروب المباشرة أخرت الشروع في إنشاء الجزء القادم من ساحل البحر المتوسط كما كان مقرراً. وبالرغم من ذلك؛ انطلقت أعمال الإنشاء في المملكة العربية السعودية، وسط شكوك جدية حول هذا الاستخدام للأيدي العاملة والمواد، لأن الجميع، من مسؤولي التابلاين حتى عمال اللحام في الميدان كانوا يتساءلون عما إذا كانت الأمور السياسية ستستقر بدرجة تسمح للمهندسين بإنجاز مهمتهم. إلا أن المثابرة كانت لها اليد العليا في نهاية المطاف، ففي أوائل عام 1948م بدأت أعمال إنشاء خط أنابيب عائد لأرامكو من بقيق إلى تقاطع خطوط أنابيب القطيف، ومنها إلى القيصومة، التي كان مقرراً لها أن تكون نقطة بداية خط أنابيب التابلاين، على مسافة 315ميلاً من الظهران.
نقطة التقاء
وفي الثاني من شهر سبتمبر عام 1950م، تمت آخر عملية لحام لربط القطاعين الغربي والشرقي من الخط، ليكتمل بذلك أطول خط أنابيب يتم إنشاؤه في التاريخ. وقد بلغ من طول الخط أنه بعد إنجازه استغرق وقت تعبئته ما يقرب الشهرين. وفي نوفمبر من عام 1950م تدفَّق الزيت، بعد طول انتظار، إلى الخزانات في ميناء صيدا اللبناني، تمهيداً لتعبئة الناقلات التي أصبح بإمكانها نقل الزيت إلى أوروبا في غضون أيام، مختصرة تلك الرحلة البحرية البالغة 7200ميل من رأس تنورة على الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط.
كان المشروع مشتركاً بين الشركات المالكة لأرامكو حينذاك تحت اسم "شركة خط أنابيب الزيت الخام عبر البلاد العربية"، وأصبح معلماً بارزاً في التجارة العالمية وصناعة البترول وهندسة خطوط الأنابيب، وكانت سعته الأصل 300ألف برميل في اليوم، وتمت زيادتها بعد ذلك إلى 500ألف برميل، وأشرفت شركة بكتل الأمريكية العملاقة على إنشائه بعد أن بينت دراسة هندسية أجريت في عام 1944م أن إنشاء هذا الخط، رغم صعوبته، يعتبر مجدياً وممكناً.
ولاحقاً أصبح خط التابلاين ينقل ما يصل إلى 30% من إنتاج المملكة من الزيت الخام إلى الناقلات التي حمّلته، بدورها، إلى أسواق النفط في أوروبا والساحل الشرقي للولايات المتحدة لكن خط التابلاين خارج الخدمة اليوم، وحل محله خط أنابيب الزيت الخام شرق/غرب وغيره من خطوط الأنابيب، فيما تقوم الناقلات الضخمة المملوكة لشركة فيلا البحرية العالمية المحدودة التابعة لأرامكو السعودية بنقل الزيت السعودي إلى الأسواق العالمية. ولم يكن المشروع نفطياً خالصاً بالمعنى الدقيق، بل تأسست بفضله مدن، وعلى سبيل المثال فإن مدينة القيصومة التابعة اليوم لمحافظة حفر الباطن، هي أول مدينة تنشأ عن تجمع عمالي بمحاذاة الخط. ثم ما لبثت أن لحقت بها ثلاث بلدات أخرى هي رفحة وطريف وبدنة.
بدنة.. إحدى بنات التابلاين..!
لم يكن هناك مطار، وإنما هبطت الطائرة فوق رمال مخلوطة بالزيت في حر شهر سبتمبر القائظ. كنت أبكي لأنني تركت بلدي الجميل لبنان وأتيت إلى هذه الرمضاء في وسط الصحراء". كان ذلك أول انطباع خرجت به هالة حداد عن مدينة بدنة، الصغيرة الواقعة في أقصى شمال المملكة، التي تأسست أثناء تنفيذ خط التابلاين في طريقه إلى الساحل اللبناني. وتمّ إنشاء البلدة لوضع مضخات تابعة للخط.
وبدنة اليوم مجرد اسم على الخريطة، أما عندما هبطت طائرة هالة حداد فيها، منذ ثمانية وعشرين عاماً، فإنها كانت على درجة كبيرة من الأهمية على صغرها، بفضل وقوعها إلى جانب واحدة من أكبر المعجزات الهندسية في العالم، وهي خط أنابيب الزيت الخام عبر البلاد العربية أو التابلاين كما كان اسمه الشائع. وعندما وصلت هالة حداد إلى بدنة في عام 1980م، كانت المدينة عبارة عن حي سكني مستقر يتضمَّن الكثير من الأنشطة لكل من كانوا يعيشون فيه. وكانت الممرضات والسكرتيرات يعشن في مبنى يعرف باسم "بانك هاوس"، حيث كان لكل واحدة منهن غرفة نوم خاصة، فيما كانت كل أربع منهن يشتركن في مطبخ وغرفة معيشة وغرفة جلوس واحدة. وكان للحي السكني مكتبته الخاصة، ومحطة تلفزيون، ومدرسة ومتعهد تموين يعرف ب"الكانتين". كانت بدنة تضم المرافق الطبية الوحيدة المتوافرة في المنطقة الشمالية، وتقدم الرعاية الطبية لجميع السعوديين من أهالي المنطقة إلى جانب موظفي أرامكو وأفراد أسرهم ومقاولي الشركة.
وتسترجع هالة ذكرياتها بعد إقامتها في البلدة قائلة: "كانت مكاناً حافلاً بالود، وكانت العلاقات بين الناس ممتازة. وحتى اليوم لا يزال أناس من بدنة يتصلون بي، فقد كنا مجتمعاً مترابطاً متآلفا". وعاشت حداد 17سنة في بدنة حيث عملت، وهي اليوم تعيش في الحي السكني في الظهران، المقر الرئيس لأرامكو السعودية، وتعمل سكرتيرة بقسم النشر والعلاقات الإعلامية في إدارة العلاقات العامة.
الغوار.. سيِّد الحقول بلا منازع
لم يعرف تاريخ صناعة الزيت في العالم كله حقلاً نفطياً أكثر أهمية وإنتاجاً من حقل الغوَّار السعودي. ومنذ اكتشافه عام 1948م، وهو يُدهش الباحثين والمنقِّبين بامتداده الجيولوجي الذي يعود إلى 199مليون سنة عند أقصى التقديرات و 145مليون سنة عند أدناها.
نصف ساق
لكنّ أكثر الحقائق إدهاشاً في هذا الحقل الذي تُظهره الخرائط على شكل نصف ساق ذات قدم مثبّتة على الأرض، هو حجم إنتاجه اليومي الذي يصل إلى 5ملايين برميل من الزيت الخام، وبليونين ونصف بليون قدم مكعبة من الغاز المرافق، فضلاً عن إمكانية إنتاجه 4بلايين قدم مكعبة من الغاز غير المرافق.
بدأ إنتاج حقل الغوَّار عام 1951م، ولكنه سرعان ما أثبت تقدماً كبيراً على الحقول الأخرى بإنتاج الزيت بكميات لا يضاهيه فيها أي حقل على مر تاريخ صناعة الزيت. وهو ما دعا خبراء الزيت إلى إجراء المزيد من الأبحاث فيه. وفي بداية عام 2000م، توصَّل فريق مختص إلى نتيجة مثيرة للاهتمام كشفت عن مزيد من الحقائق المدهشة. فقد أجرى الباحثون قياسات علمية لشبكة التكوين الجيولوجي وكشفوا عن شبكة مسامية دقيقة هائلة من المسارات الخفية في الصخور الجيرية تحتضن كميات كبيرة من كنوز الزيت. ولا يزال الفريق يعمل على تطبيق هذه النتيجة الجوهرية لتنقيح المفاهيم الأساسية ونماذج حقل الغوَّار لتحسين التوقعات الخاصة بالاستخلاص. وتشير التقارير العلمية إلى أن هذا الحقل وُلد في العصر الجوراسي، حيث ترسبت الأحافير فيه وكوَّنت، بدورها، مكمناً في مياه بحر ضحلة ودافئة كانت تغطي رقعة شبه الجزيرة العربية. وخلال العصر الطباشيري (بين 65و 145مليون سنة مضت)، انتقل الزيت إلى مسام الأحافير وملأها. ومع تعاقب الأزمنة تحولت المادة العضوية التي تكونت مع الأحافير إلى سائل بترولي بفعل الحرارة والضغط. وأثناء التخلخلات التي تعرضت لها قشرة الأرض في العصر الكربوني، بين إفريقيا من جهة وأمريكا الشمالية وشمال أوروبا من جهة أخرى؛ تكوَّن الشكل البيولوجي الذي نعرفه اليوم عن شبه الجزيرة العربية، وارتفعت منطقة الغوَّار لتحتضن أسفلها بحيرات المواد العضوية التي تحولت فيما بعد إلى احتياطيات هيدروكربونية. وهذه العوامل هي ذاتها التي أدت إلى تشكيل معظم مكامن الخليج العربي البترولية.
جوهرة الطاقة
وقد بقيت الكنوز النفطية صامتة إلى أن أعلنت عن وجودها عام 1948م، عبر اكتشاف نفطي رفع الحجاب عن جوهرة تمدّ العالم بالطاقة. ويُعد مكمن عرب - د، اليوم، هو المكمن الرئيس في حقل الغوَّار، ويبلغ سمكه 100متر فقط، وقد تكوَّن زيته بصفة حصرية من الصخور الطينية الجوراسية الغنية بالمواد العضوية، ومن هذا المكمن يأتي معظم إنتاج الغوار من الزيت. ويملك الحقل كل مقومات الإنتاجية العالية، حيث يمتاز بالمسامية والنفاذية العاليتين بسبب وجود مسافات عديدة بين الصخور وبسبب طبيعة تركيبتها التي تسمح للزيت السائل والغاز الطبيعي بالتدفق عبر الصخور، وفضلاً عن ذلك فإن درجة استخلاصه عالية جداً.
أما مكامن "عرب - سي" و"الحنيفة" و"الفاضلي" فهي من المكامن النشطة في الغوَّار الذي تمَّ تقسيمه إلى ست مناطق تم اكتشاف كل منها على حدة. وتبعاً لتاريخ الاكتشاف فإن "عين دار" هو الأقدم حيث اكتُشف عام 1948م، ثم "حرض" المكتشف عام 1949م في أقصى جنوب الحقل، ثم "العثمانية" 1951م، و"شدقم" 1952م، و"الحوية" 1953م، و"الفزران" 1957م.
مصدر الغاز
وفيما يخصّ الغاز، فقد تم اكتشاف الغاز غير المرافق في الحقل للمرة الأولى عام 1979م، وفي عام 1984م وصل عدد الآبار التي تزود شبكة الغاز الرئيسة إلى 12بئراً. وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي تمت الاستعانة بغاز الغوار لتلبية حاجة الطاقة المتزايدة داخل المملكة وتوسعات صناعتها البترولية. وينتج حقل الغوار اليوم جل إنتاج المملكة من الغاز المرافق وغير المرافق. ويمتد مكمن عرب-د على مساحة يصل طولها إلى 200كيلومتر، وعرضها إلى 40كيلومتراً، ويمتد داخلها شريط متصل من الزيت يغطي ما إجماليه مليون و 300ألف فدان. ويحمل المكمن عرب - د الزيت العربي الخفيف ( 33درجة حسب معهد البترول الأمريكي). وفيما يُنتج حقل الغوار كله حالياً 5ملايين برميل يومياً؛ فإن ذروة إنتاجه وصلت في عام 1981م إلى 5ملايين و 700ألف برميل في اليوم. وهو أعلى معدل إنتاج متصل يسجله حقل منفرد على مستوى العالم كله.
فرانكوا عيد سلامة
ادفع عجلات الزمن نحو
2008إن كنت لم تعلم بعد، فادفع عجلات الزمن نحو 2008م، وتسلَّح بالترقب وأنت تقلِّب أوراق روزنامة العام الجديد. كن على موعد مع عام ماسي، وتأهب لاحتفالية أرامكو السعودية بذكرى مرور 75عاماً على تأسيسها. نحن نتطلع إلى عام احتفالي يتناسب وحجم الحدث، ويبقى في الذاكرة تاركاً علامات لا تمحى لدى جميع موظفي أرامكو السعودية في مختلف مرافقها في المملكة وحول العالم.
في الظهران وعبر المملكة، ستقام احتفالات خاصة بمناسبة ذكرى توقيع اتفاقية الامتياز الأصلية للتنقيب عن الزيت بين المملكة وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال) والتي تمت في 4صفر 1352ه ( 29مايو 1933م). وستشمل هذه الاحتفالات وضع حجر الأساس لمركز ثقافي رئيس تسهم من خلاله الشركة في خدمة المهتمين والباحثين من داخل المملكة وخارجها، حيث من المتوقع أن يضم هذا المركز مكتبة عامة، ومتحفاً، ومعرضاً، ومركزاً للمحفوظات.
يعود الفضل في توقيع اتفاقية عام 1933م للرؤية الحكيمة الصائبة من لدن جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، يرحمه الله، الذي أعطى أوامره للشيخ عبدالله السليمان وزير المالية وممثل المملكة في المفاوضات مع شركة سوكال بالتوكل على الله وتوقيع الاتفاقية. وقد أسفر هذا القرار المبكِّر الحكيم عن السماح للجيولوجيين الأمريكيين بالتنقيب عن الزيت في المملكة التي كانت حينئذ لا تزال حديثة العهد، والتي كانت على موعد مع وضع اللبنة الأولى في تحولها الاقتصادي الكبير، الذي سيشهد فيما بعد زخماً كبيراً بني على انطلاقة صناعة البترول وتطوراتها.
لقد أفضت تلك الاتفاقية إلى تدفق الزيت بكميات تجارية في المنطقة الشرقية من بئر الخير، البئر رقم 7.وتوالت بعد ذلك الاكتشافات والإنجازات النفطية، لتمتلك المملكة اليوم أكبر احتياطي في العالم قابل للاستخراج من الزيت الخام والمكثفات، يبلغ تقريباً 260بليون برميل، كما تحتل المرتبة الرابعة على مستوى العالم من حيث احتياطات الغاز الطبيعي، التي تبلغ نحو 249ترليون قدم مكعبة. وتعد أيضاً أكبر دولة مصدرة للزيت الخام، إذ صدَّرت -من خلال أرامكو السعودية- أكثر من 2.5بليون برميل في عام 2006م (بمعدل 8.9مليون برميل في اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.