لم أصدق ما نقلته لي شغالتنا في المنزل والتي كانت عائدة لتوها من مهمة تسوق واسعة حيث ترتب أمورها استعداداً للسفر إلى بلادها في إجازة قد تطول.. وقد تقصر.. تقول في خبرها الذي تمنيت لو أنني لم أسمعه.. "بابا أنا رحت اشتري تمر من محل سألته بكم الكيس قال البائع وهو من جنسية آسيوية "بسبعين ريال".. رديت عليه قلت هذا غالي كثير.. قال التمر لك أو لبيت ماما.. قلت لا هذا لي.. قال خلاص لك أنتي بخمسين بس.. لو بيت ماما بسبعين.. وبعدين أنا آخذ عشرة وأنتي عشرة" انتهي كلام الشغالة. قالت هذا الكلام الخطير وهي مشدوهة ومتلعثمة.. وتلقيت الخبر بما يشبه الصدمة.. وتسمرت في مكاني.. ثم دارت الأسئلة في رأسي.. وقلت هل نحن مستغلون لهذه الدرجة.. وأين؟ في بلادنا.. ومن عمالة استقدمناها بأنفسنا ومنحناها الثقة المطلقة. كلام الشغالة جعلني أستعيد الكثير من الصور التي شاهدت بعضها.. ونقل لي البعض الآخر.. فهذا أحد الباعة يروي لي هذه الحادثة إذ يقول "جاءني أحد السائقين واشترى بعض الاحتياجات بمبلغ ألف ريال.. وحين هممت بكتابة الفاتورة طلب منى أن أضع مبلغ ألف ومائتي ريال فرفضت وهددته فخاف.. ".. ويقول آخر تقف السيارة عند المحل وينزل السائق.. والمدام "عمته" تنتظر في السيارة وعند دفع الحساب يخرج بطاقة الصراف ويدفع المبلغ المطلوب بعد أن يدخل الرقم السري بنفسه "ثقة تصل إلى حد معرفة الرقم السري".. ويردف ذات البائع فيقول ومن باب خوفي كلمت المدام وقلت كيف تبلغ بكم الثقة بهؤلاء إلى هذا الحد؟ فردت علي بكل برود "عادي"هذا منا وفينا نعتبره مثل أحد "عيالنا". عندما نمنح الثقة لمثل هؤلاء فلا أظن أنها قد تصدمنا الوقائع المؤلمة.. ولا النتائج المحزنة المتمثلة في لجوء العمالة لابتزازنا واستغلالنا في عقر دارنا.. وإذا كان المواطن هدفاً استراتيجياً لطالبي الربح والكسب السريع حينما يغادر أرض الوطن إلى الخارج فيتعرض لعمليات النصب والاحتيال والابتزاز والاستغلال.. والأسعار الخيالية للفنادق والشقق والشاليهات والمواصلات.. وقسره على أن يدفع أضعاف ما يدفعه أي سائح آخر فان المؤلم حقا أن يتم ابتزازه واستغلاله في وطنه. لن نقول إن هناك جهات داخلية أو خارجية ساهمت في دفع العمال والعاملات لاستغلالنا.. ولن نتهم أي أطراف بفتح المجال لكل من هب ودب لسرقتنا عيانا بيانا.. ولكن المؤكد أن طيبتنا والتي تصل عند البعض إلى حد السذاجة.. وثقتنا العمياء.. والأضواء الخضراء المفتوحة دائما أمامهم هي التي شجعتهم لاقتراف ما لا يخطر على بالنا.. وعندما تحل المصائب منهم فلا ينبغي أن تصيبنا الدهشة.. وأما لماذا؟ فلأننا سلّمنا رقابنا لمن لا يرقب فينا إلاً ولا ذمة. كنت أتصور قبل ذلك أن استغلالنا يمكن أن يحدث خارج الوطن.. أو الابتزاز الذي يجري على شاشات القنوات الفضائية ليلا ونهارا بواسطة المكالمات أو الرسائل القصيرة التي تستنزف الجيوب ولكني لم أتوقع أن يحدث ذلك بين ظهرانينا. طرح الثقة حلو.. ولكن في من هو أهل لها.